اغتراب داخلي .. التوصيف الوحيد الذي جعلني أنأى بنفسي عن أي أمراض نفسية أمر بها .. مع يقيني بأن من لا يمر بأمراض نفسية بعد السنين التي مررنا بها هو من يعاني من شذوذ نفسي .. بعد عصف ذهني لما أستطع العودة إلى لـ 15 – 2 – 2012 ذاك التاريخ المشؤوم .. تاريخ الاعتقال الأخير .. لم أعد أذكر هل قبلت أمي قبل أن أسلم نفسي ليخرج أبي ام لا .. هل ودعت اخوتي .. الأصدقاء .. لم أعد أذكر وجه أبي عند افتراقنا تلك اللحظة .. كل مرة أعد نفسي بمحاولة جديدة للتذكر دون جدوى .. لا ذكرى سوا صدى تلك الجملة “هل تم إخلاء سبيل الطبيب من المنفردة بعد تسليم نفسي” .. قبل قليل كدت ان أتّهم ذاكرتي بالتعاون مع النظام أو داعش .. إذ أنها تستمر بمسح لحظات انا بأشد الحاجة لها للاستمرار .. تذكرت اليوم أنني كنت أخاف الظلام .. لم أفارق غرفتي والديّ حتى أتممت الثالثة عشر .. لم أسافر لوحدي قبل السابعة عشر .. و لم أأكل الخضروات حتى في السجن .. كنت أعزي نفسي بأن غياب الأهل تلك السنين كان سبب الحس بالغربة , اليوم هم هنا .. ربما كل تلك التبريرات كانت من أجل الثقة , المتابعة , عدم السقوط , و لكنني اليوم لم أجد ما أجعله مبرراً لشعور الاغتراب .
منذ عامٍ مضى كان آخر أمل أمُنّي به النفس بحلم العودة .. العودة التي تتلبس أي مهاجر جديد خرج من الوطن .. بات الشك يسكنني إن كان الإنسان ينمو .. إذ أنني لا أذكر إلا الصدمات التي تجعلنا نكبر فجأة .