باب الهوى , بوابة دخولي لسوريا , علم الثورة الذي يرفرف في سماء البوابة , موظف جوازات الهجرة الحرّة بوجهه البشوش “أهلاً بك في سوريا الحرة”
وجهتي إدلب الخضراء بجميع تلم التفاصيل التي تدور بمخيلتي مذ أن تعرفت على الصديقة التي فيها جمال إدلب , بالتفاصيل الحميميّة التي تدور في مخيلتي عن قراها الكثيرة .
معرة النعمان , المحطة الأولى التي توقفت عندها , منزلٌ أصابه بعضٌ من طغيان الأسد من بعيد , صاحبه و عدد من العمال يرممونه بكل تفاؤل , كعادةٍ سوريّة ألقيت عليهم السلام لألقى الكرم المعهود “تفضل” , شكرته لأكمل طريقي بحثاً عن حلمي الصغير , “الشعيبيات” التي أتوق لتذوقها من المكان الذي اشتهر بصنعها , شرطيّان ينظمان السير بملابس جديدة لم أعهدها من قبل , سألت احدهما النصيحة لمحل شعيبيات أذهب إليه , اختلاف اللهجة جعلته يعرف غربتي عن المنطقة ليصّر على الذهاب معي للمحل , دخلنا المحل و علم الثورة يزهو في صدره , بادر الرجل معي بالسلام قائلاً “أبو أحمد هذا ضيفنا جاي من برا و مشتهي الشعيبيات توصى فيه و الحساب عندي” تفاجات لأرد له “يا ابن الحلال حساب أيش يلي عندك طول بالك” أبو أحمد مقاطعاً لنا “الضيف ضيفنا كلنا الحساب عندي و الأمر منتهي” .
أطيب حلويات تذوقتها في حياتي , حرفية الصنع , أو شوقي لهذه التفاصيل التي افتقدتها كثيراً , أو ربما كرم صاحب الضيافة الذي أبى إلا ان يحملني علبة من الحلويات كهدية منه .
أكملت سيري لمدينة إدلب , حاجز عسكري , ارتفاع بنسبة الأدرينالين , جالت في خاطري سنوات من العمر , من أول حاجز للأمن العسكري على أطراف مدينة البوكمال , حتى تأجيلة العسكرية التي طٌلبت مني بالقرب من الرقة , اقتربنا , دورية بلباس عسكري على مداخل مدينة إدلب , شاب بوجهه الباسم يرتدي البزّة العسكرية “أهلا و سهلاً فيك أخي” – مد يده و ناولني ورقة مكتوب عليها عناوين مراكز الشرطة قائلاً نحنا بالخدمة ليل نهار – , شعور جميل لم أألفه سابقاً ينتابني , لم يعد الحاجز عقدة نفسية يمثل رعباً لدى السوريين .
ساعة إدلب الملونة بعلم الثورة , العلم الذي ارتقى من أجله عشرات الآلاف , العلم الذي ناضلنا لأجله , نفحات إيمانية اجبرتني على السجود و تقبيل هذه الأرض المقدسة بدماء شهداء سورية .
ها هي جسر الشغور تلوح في الأفق , مدينةٌ تخلع رداء الحزن الأسود الذي ارتدته طوال حكم الأسد بعد اعشرات المجازر لترتدي اليوم رداء الحرية الذي يليق بها و الذي كافح أبنائها لتحصل عليه .
وصلنا أريحا , محطتنا الأخيرة , أريحا التي أصبحت صديقة في موسم الكرز الذي اشتهرت به , أريحا التي أذاقها النظام الكثير من الويلات لتزهو بحريتها المنشودة , أشجار الكرز التي أضفت حمرة الخجل لتزيدها جمالاً , إدلب التي مذ دخلتها من الحدود التركية لم أشعر إلا أنني في منزلي , وجوه سمحة , ابتسامات متوزعة , صورة حفرتها في مخيلتي لسوريا الجميلة التي يعمرها السوريين بسواعدهم , حيث ليس هناك داع بعد اليوم لإخفاء الوجوه , حيث المواطن السوري هو الأهم , حيث ليس هناك مستويات طبقية تفصل بين الناس , سوريا التي يتساوى فيها الجميع , الديمقراطية , المواطنة .
“إن جبهة النصرة رأس الحربة و لن يستطيع أحد إقصائها” ” لسنا بحاجة أن نستجدي احد أن يقبلنا او لا يقبلنا”
جملتين كانت كافية لأفيق من شرودي على صوت رجل يظهر منه غطاء الرأس و كتفٌ كل سنتين و يدعى الجولاني .
ابتسامة ارتسمت على وجهي لم أدرك هل هي الم أم قهر ام ربما أمل بمستقبل لم أراه إلا تخيلات في شرودي , كل ما عرفته أن سوريا لن تٌعمّر إلا بيد أبنائها , و إن السوريين لن يأتمروا بأمر يأتي إليهم من رجل لا يعرف حتى مكان إقامته , أو سبب تغير لهجته في غياهيب السرداب .