في خضم حديث الجندرة ، المساواة ، حقوق المرأة ، العدالة الانتقالية ، و حقوق الإنسان حتى تصل إلى حقوق الحيوان في ظل “الجماعات المتطرفة” يطأطئ عزيز رأسه .
“مين فيكن تحمم الأسبوع الماضي” تخفّ عليه مصيبته عند تذكّره “السُخرة” , “السُخرة” أو المنسيين , من لا حقوق لهم , شبابٌ في مقتبل العمر , كُتب عليهم الجمال كأحد الأوزار التي توجب عليهم حملها طيلة العمر , مصطلحٌ قديم , ما زلت أتذكر سامي الشاب الحمصي الذي أجبره الاغتصاب على أن يكون أحد “السُخرة” الذين يقبعون تحت إمرة ذاك الضابط , لم يكن علوي – سقطت حجة الطائفية – بل لم يكن ممن ينتسبون إلى طائفة أو مذهب أو حتى الإنسانية برمتها , يا أسفي كان سورياً منا وفينا , سامي الذي بقي يُغتصب حتى فقدنا رجولتنا , فالمِحَنُ لا تزيد الرجال إلا رجولة .
سامي , أحد سجناء الاعتقالات التي طالت أحياء حمص , لم يتجاوز السادسة عشر (( قال لي أحدهم أن لـسامي أمثال لم يتجاوزوا الثانية عشر )) حكم جلادوه أن يتحول لفرع سرية المداهمة 215 ليبقى مغيباً عن أهله , زيارة والده بعد شهور من الاعتقال ليراه تعرض للاغتصاب جعلته يتبرأ منه ،ليخط ورقة الحكم الابدي بعد أن سَنَدَ ظهره على جدار المجتمع المهترئ الذي لا يرحم .
“أختو تعشقو من جمالو” يقولها عزيز بلهجته الشرقية واصفاً سامي , يتنهد متابعاً , جميعاً تعرضنا للاغتصاب سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر , منذ تنفيذ “حركتي الأمان” حتى خروجك من “حظائرهم” . “حركتي الأمان” كما يسميها عساكر النظام و يكاد يعيش لحظتها كل شخص قد اعتقل, عارٍ من كل شيء عدا الأخلاق التي فضلّنا تسليمها مع الأمانات داعين المولى ألّا يُسرق منها شيئاً.
يقفز الشخص فيها لينزل قرفصاء مرتين , وسط الجموع , ولا يخلو الأمر من تحرش أو ضربة طائشة من “هراوة” العسكري , وغالبا ما يتعمد أن تكون على منطقة مذّلة يبتغي منها الإهانة والإذلال .
عزيز الذي كتم أنفاسه , كانت إحدى عشر مرة , أو إثنا عشر , أتصدق أنني نسيت عددها , اعتقلت في ثمانية عشر فرعاً متنقلاً بين عدة محافظات سورية، و في كل مرة كان يجب علينا أن نقوم بها مرتين , تحية الدخول و الخروج , “أظن أنها مناسك التعبّد الخاصة في فروع الأمن” فقدت رجولتي لشهور , ربما لم أفقدها و لكن وسواساً قهري أصابني بعد خروجي من تلك الزنزانات , تمنيت للحظات داخلها أن أفقد رجولتي , تخيّلْ يربطون إصبع قدمك بعضوك الذكري بخيطٍ قصير لتقف على قدمٍ واحدة و لا يسمونه اغتصاب .
عزيز ضخم الجثّة عريض المنكبين يكاد يغطي الشمس من طوله “شلون تريدني أحكيلك تريد المجتمع ينبذني , ولا نسيت ابن جارنا يلي طلعلو رحم و هو من الله , هج أبوه برا البلد” . لا أنكر حقوق المعتقلات ولا المغتصبات ولا المساواة ولا ولا ولا … “احنا شعب عاطفي , تذكر لما ضربنا بسّة (( قطّة )) و صرنا ندعي إنو ما يصيبها شي ، وتندمنا ، وعالجناها وبوقتها ما كنا نسترجي نقول حقوق حيوان مشان ما حدا يسبنا” تلك العقول التي لطالما ادّعت الانفتاح ، و القدرة على تقبل الآخر , القلوب التي ترّق على قطّة وجدها السكان ماتت برصاصة غدر من متطرف لا يعرف الإنسانية , ليعلنوا التضامن معها .
أتصدق , و كأن في رجولتنا عيب يعريهم يكشف أنانيتهم , ونرجسيتهم ليقودهم ذلك الرأي الواحد إلى جنة حضارة ما بعد التحرير المبنية على جماجمنا ، يشمئزون منا , قَطيعٌ يُساق لا أكثر .