جثة , كل ليلة أتحوّل لجسدٍ ميت , تملئني أصوات الموتى , أنّاة المظلومين على الأرض , تسحب الحياة من تلك المذابح التي جرت بسبب شخص واحد أعمته نرجسيته عن رؤية الأرواح الفائضة في المكان .

لم يكن يرى غير روحه و دفئ الكرسي الذي ملأ العالم حوله صقيع , كأن كلامنا ينتثر في فراغ كوني , لا يصل لأذن تسمع إلا على المستوى الرفيع , في كل ليلة انقلب لجثة , أصبح قبراً سائراً , أنبش أجساد صفراء فقدت حرارتها , طقطقة عظام لبشر دفعوا نزوات الكبار , دفنوا خلف ركام التاريخ , جثث نحن , عالم صامت لا صوت يعلو على صوت فحيحه .

قطعة أرض تائهة لا أكثر , ليست دولة , لا يحق لنا رفع علم , لا نشيد وطني , لا تنتمي لأي حالة مدنية , ككرة يتقاذفها اللاعبون ,يوماً يريدونها لهباً , ويوماً يختبأون خلف هدوء مريب , حتى الهواء قد يثمن فيها ولا أحد يهتم .

أحلم ببلاد لا تهوى الرقص على الهاوية , لا تحمل أرواح أهلها على كفها أو تبتلع هياكلهم دون شبه .

أحلم بوطن يتراءى لك مستقبل عشر سنين , لا يساوم على غده بأمسه , يد ممدودة للحياة لا مشروع جثة .

وطنٌ لا يعيش على شعرة فاصلة عن الجحيم , لا حلّين أحلاهما سمٌّ زعاف , لا انفجار لا أزمة لا حرب لا مفخخة لا طيران , وطنٌ لا أكثر .

آآآه لو يشبع الموت قليلاً , لا لوك لأجساد متبقية على الأرض , ألا يعرف الموت سحب أرواح المتسلطين و الفراعنة و المتجبرين و أمراء الحرب و قادته في العالم !؟ .

كل تلك الأرواح الجميلة لم تجعله أكثر رحمة أو رأفة بنا , بات يفضّل أن ياخذها جملةً , كأن الموت لا يعرف إلا مناطقنا , حفظ شوارعها عن ظهر قلب , تعجبه ناسنا ليختار منهم ما شاء , يعرف كل فرد يتجول في أزقتها – حتى أم عائشة خبّازة الحارة أو أبو محمد البقّال الذين ما أذوا شخصاً يوماً – , هذا لم يحن وقته بعد و هذا موعده الليلة , هذا يموت برصاصة ليقتل الآخر ذبحاً و آخر بقصف طيران و يقضي الأخير بمفخخة , أو حتى بتبادل لإطلاق النار بين أفرقاء يتصالحون لاحقاً على بركة دمه التي سالت على الأرض و أزكمت أنوفهم . يمشي الموت بخفّة كائن لا تحتمل .

لم يعرف الموت بعد أخذ روح شخص أهلكت من حوله , رئيساً متجبراً , أو ملكاً طاغية , ربما مسلحاً قبل أن ينفذ جريمته , انتحارياً يفجر نفسه وحدها دون ارتباطه بسلالة أرواح . يقف عاجزاً أمام هؤلاء , يتراخى أمام الشبيح و الداعشي و الأزعر و السفاح , يطيل لهم الحبل أكثر من اللازم فيخنق به ما استطاع ممن يحيطونه دون عناء , الموت و لسخافة الأقدار يستقوي على غيرهم  , ينفخ ذراعيه لأخذ روح طفل من حضن أمه , يسحب روحاً تفيض بالحياة , يجلد الأمل و يذبح أحلاماً , ينهي مسلسل صمود طويل ليبقي على الكوكب ما تبقى من أشقياء .

الموت يلفّنا من كل جانب , ينتظرنا بحرب , رصاصة , انفجار , مفخخة , سكين حادة , حادث غفلة , دولٌ لا تصفي حسابتها إلا على ساحات خارجية , ندفع ثمن السلم و الحرب , لا أهمية لموت ينتشر في الرقة أو كيماوي غطّى سماء الغوطة .

لو يشبع الموت منّا , لو .