مذ مجزرة مركدة على يد داعش في العام المنصرم و روحي لا تعرف الراحة , لا أعرف , هل نحن مرئيون للعالم أم لا .

هل يرانا أحد , ربما نحن اللا مرئيون , لا تطفو مآسينا على سطح المجتمع , يختفي الصوت في قعر الآلام , نملئ الأرض لكن لا حساب لنا , موتنا و حياتنا سيّان .

ربما نرتدي قبعة الإخفاء , لا مرئيون نعيش على هذا الكوكب , نتجول على أطراف الأصابع كي نتفادى إصدار أي ضجة تكشف وجودنا , اللامرئيون الذين ندفع ثمن كل خطوة تقوم بها الدول , لا يوجد سوانا نار للحرب , أو كبش للسلام , أو مدفونون تحت الأنقاض , اللامرئيون الذين نحصل على التعاطف ما إن نصبح جثث هامدة .

مذ تلك المجزرة , و الوطن داخلي يتصدع , لم أعد قادر على الإيمان به , أشعر بأغلاله الملتفة حول عنقي , فكرة الأوطان تزعزعت لدي , كل مرة نفس النبرة , الصبر و السلوان , كل شيء ضاق .

قولوا لهذا الوطن أن ينتحر , يضع حداً لحياته التي ما كانت إلا سلسلة مخجلة من الخيبات و الانقسامات و الموت , هذا الوطن الذي لا يمكنه أن يستمر على حاله , بقائه على قيد الحياة يهدد النسل البشري بأسره .

هذا الوطن الذي بات مجرد عذاب , لعنة التصقت بكل من عاش فيه , لا يرح , الموت عنده أشبه بفعل طبيعي من صميم حياته اليومية , نطوي قضاياه كما تهل التراب على الجثة , قولوا له أن يموت .

الموت في هذا الوطن واحد ولو تعددت أسبابه , أخي الذي قضى ذبحاً أو عمتي التي ماتت بحادث سير , جدي الذي جٌلط , و صغير عمتي الذي غرق , الموت يقدم للشعب حلوله , يريح النظام و داعش و الدولة المجاورة و غيرها من مسؤولية العيش تحت جناحهم , فهم لا يعرفون كيفية حمايتهم أو تدبر أمورهم , لا يعرفون منحهم حياة كريمة لا ينفك الإنسان بالمطالبة بها , الموت يساعد بقطف أرواح يزعجون الجميع بمطالبهم , يريدون خبزاً و ماءاً و حريةً يضيئون بها عتمة الحياة الحالكة .

ربما هو آخر الزمان , عرفت ذلك منذ سنوات , لم أكن يوماً من المتنبئين بالمستقبل , أو حتى عالم فلك , لكن القصص تملاً ماضينا عن علامات تحدد نهاية التاريخ .

رائحة الموت التي فاحت كما لم نعهدها سابقاً , هكذا تقول النبوءة , لم يكن الوضع أصعب مما هو عليه الآن .