ملائكة .
كائناتٌ هبطت من السماء , يُقال أن أرضاً مسلوبة كانت تجمعهم منذ سبعين عاماً خلت , يحاولون البحث عنها .
يتذكرونها من حديثٍ حكاه الأجداد , رسموها بالكلام , اشتموا رائحتها كلما اختلط سائلٌ نزف من أجسادهم على تراب أي أرضٍ زكّوها في هذه الأصقاع .
فلسطيني .
كفزّاعة يظهرونه , تطلّ برأسها بين الحين و الاخر , أو هي واقفة بين الحقل تتربص بالجميع . إذا ما تحررت أرضه سيعامل الجميع كالكلاب , هكذا يقولون , و هكذا بنوا الصورة النمطية للفلسطيني , نحاصره أكثر من الاسرائيلي , نرفض منحه حقوقه البسيطة , قامت ثورة , “ أضربوا أماكن الفلسطيني” هم أول من نخاف انشقاقه , نعلن الحرب , شعواء تحيل كل من تعبوا بتحقيقه إلى كومة غبار , هم الأغراب , يريدون زعزعة بلادنا , لا يمكن لـ”مواطننا أن يسرق أو يعتدي أو حتى أن يطلق النار , الفلسطيني هو وحده من يفعل ذلك , عقده متراكمة بسبب الاحتلال و أخبار الأرض البعيدة .
في كل حرب , تُقصف المخيمات الفلسطينية , في أي محاولة اغتيال , يجب أن يتم اتهام الفلسطيني , و يُعاقب الفلسطينيين على فعلته , يُذبحون , تقام بحقّهم مراسم التطهير , كأنهم جراثيم , و دوماً يصل العالم .. متأخراً , و يمسح النصل من دماء حزّ الأعناق , بعد الذبح .
أينما حلَّ الفلسطيني , و في أي ديار بعيدة يتهمون و يقتلون . الفلسطيني يجب أن يموت في كل مكان , و ببساطة , و بدون ضجة و بخفّة يد .
هنالك مخطّط كوني لإنقاص أعدادهم , كأن هناك رغبة عالمية لتسريع الانقراض .
و ما يُعزّيهم إلا أن التاريخ لا يُسجّل إلا الأساطير .
فلسطين المحتلة , – إسرائيل –
ليست هي عدوتنا , أبداً , لا يحمل تاريخا منذ النشوء أي دماء , المجازر التي ارتكبتها في فلسطين أو حتى لبنان هم مجرد دمى , الأطفال القطعين لأشلاء , المختنقين بالغازات , المصبوغين بالفوسفور , و الحاملين لأمراض استحالة الشفاء منها , إسرائيل لم ترتكب ذلك , –أصلاً – هي جائت بزيارة إلى أرض فلسطين , سياحة ليس أكثر , حتى أنه يمكن التعايش معها , مرافقتها , ولكن ليس عدائها قطعاً , سائح و له حق الدفاع عن نفسه , أحفظوا ذلك , ليست هي بعدو .
بلادٌ ستبتلع كلنا دون أن تشبع .
هي و أخواتها .
ليست إسرائيل فقط بتلك البقعة التي تقضم الأراضي الفلسطينية منذ أكثر من سبعين عام , إسرائيل هي تلك الدولة الرافضة لتسليح المقاومة الفلسطينية , إسرائيل هي الدولة التي أسمت الانتفاضة بأعمال شغب , إسرائيل هي كل من يسخر من المقاومة و إنجازاتها , إسرائيل هي الدولة التي أشهرت مقاومتها و ممانعتها و قامت بحماية الحدود أكثر من “سَميَّتِها” ذاتها , إسرائيل في من لا يذرف إلا دموع التماسيح ليحمل بعدها “ألمناشف” لمسح الأحذية التي تدافع عن عرينه و مملكته , إسرائيل ليست هي فقط ما يقبع في فلسطين .
أجيال .
جيل النزوح الاول , جيل النزوح الثاني , جيل قانا ,,,, جيل نزوح اليرموك .
يبقي الفلسطيني على ارتباطه في الزمن , يركّز على جلد الذات , طوال هذه السنين , رغم تلاشي حبيبات التراب التي يطالب بها , المدن و القرى التي تصغر كل يوم , و العزيمة التي تتراخى . تكبر الأحلام في الرؤوس بتناسبٍ عكسي مع واقعها .
نفكر بفلسطين , بتلك الأحرف الملتصقة ولا تشكّل إلا جرحاً مفتوح .
شعب .
يستمتع الجميع بتشويه ذاك الفلسطيني الذي خرج من أرضه و ربما امتلك هوية زرقاء رغم أنه أبى السكوت و الرضوخ بها .
فالفلسطيني الذي تفاهم مع الحياة نعده خائناً , رغم قناعته بعدم الاستسلام للدم الرخيص .
لم نفكر بالفلسطينيين إلا كمقاومين , أطفال حجارة , انتفاضة , معتقلين في زنازين الاحتلال , أو امراة جاء مخاضها على المعبر فأنجبت ضحية جديدة للاحتلال , نفكر بالفلسطينيين فقط ككبش فداء في الخنادق , يحملون أرواحهم و يمضون للموت بطمأنينة .
و لربما الفلسطيني نفسه يستغرب البقاء على قيد الحياة – هه– .
أنا اليوم , أريد أن أحيي شعباً عاكسته الحياة , آهٍ من موت يحترف التقاطه .
فلسطين .
يا شهيداً طال برزخهُ .
لا نكبة ولا نكسة ولا نزوح , هي أنتِ , فقط .
لا ماضٍ ولا حاضر , هو مستقبلٌ , جنّةً آمنا بها .
“وكان من أمرهم أنهم كلّما مرّوا بالمواعيد القديمة ، بديار الذين أحبّوا ، وضعوا ايديهم على قلوبهم ونادوا : اللهم سلِّم “