عزيزتي جُمان ..

مُسبقاً ، متأكدٌ من استحالة قدومك في ثلاثة أيام ، و هو الفارق بين رسالتي السابقة و الحالية ، و لكنها حشوٌ لفظي لمظلومية الحب الدائمة في كل مكانٍ و زمان ، حاولي أن تتجاوزيها ولا تجعليها نقطةً سوداء في تاريخ رسائلي لكِ .

أُرسل لكِ هذه الرسالة من غُربتي ،اهدئي ، لم أغادر ألمانيا بعد ، أخبرتكِ سابقاً أن الكتابة لكِ غُربة ، ولكنني حاولت التوسّع أكثر هذه المرّة ، جُمان يا وطني .

في حديثٍ لي مع صديقتي الفلسطينية و التي لم ترى فلسطين بعد ، حاولتْ أن تثير فيَّ عراقي ، و سوريتي ، حاولتْ اكتشاف معنىالوطن، و خصوصاً من منفيٍّ مثلي رأى أبواب حرّية الوطن الحمراء كما يقول أحمد شوقي قبل أن يرى غرفهُ .

تمثّل لي الوطن في صوت أمّي صباحاً ،  في عرق أبي العائد من عمله ، الزيارات القصيرة التي تجمع العائلة مع بعضها بعد غيابٍ يطول لأشهر ، عزاء جدي الذي لم أستطع حضوره ، الشهداء الذين لم أستطع تقبيل جباههم قبل الدفن ، فنجان قهوةٍ و دقائق التأخر عن المدرسة مع الأصدقاء ، ربطتَ صديقتي عدم تعلّقي بالياسمين الدمشقي أو أحجار حمص السود أو نواعير حماة لإنني من الشرق ، رغم سماعها بالفرات ، سهرت ليلتها محاولاً فهم التناقض فيًّ .

الوطن مشاعر ! ، ماذا لو وُلدتُ هنا ! ، هل كنت سأحنٌّ للراين مثلاً ! ، هل كنت سأذيِّلُ رسائلي لكِ بعنوان جدار برلين كَـنوعٍ من التباهي ؟! ، دخلت البارحة لخرائط الجوجل لاكتشف أنني نسيت الكثير من شوارع مسقط رأسي ، البوكمال ، هل أكون فاقداً للوطنية الآن ! .

ما أعرفه ، أن الوطن في قلوبِ من حولنا ، أينما كنّا ، أينما كانوا ، و شخصياً أينما كنتِ أنتِ أو ستصبحين .

مكالمةٌ هاتفية ، محادثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، تعليق ، و لربما لايك ما يعطينا تلك الأوطان المؤقتة التي تعيننا على إكمال استنشاق الأوكسجين بفرح ، نقطن قي قلوب المحبّين ، لا يفصلنا بين أوطاننا حدود أو جوازات سفر أو ڤيزا .

صحيح  لكِ أنتِ نصف القلب .

هذه رسالتي الثامنة لكِ ، يبدو أن طبعكِالسمَّانييحاول صنعكنفانياتأخرى لنشرها هذا القرن ، أتمنى أن يجد غروركِ حدّاً له في وقتٍ قريب .

تعقيباً على رسالتي السابقة و التي تحدثت عنجُمانياتالروح اللواتي أكتب لهنّ في الآونة الاخيرة ، وجدت أنني أكتب الكثير لهنّ ، و لكن لا نصَّ يحتويني و يحتويكِ إلا ما يوجّه لكِ ، مهما حاولت .

هل ستضحكين إن قلتُ لكِ أنني أشكُّ بأصولك الإسلامية !؟ ، قبل الضحك سأوضح لكِ ، يُقال إن الجينات الوراثية تطغى على الإنسان ، أحيا بكِ يا جُمان ، و كأنكِ قادمةٌ من نسلٍ صافٍ  لم يتعرض لتهجين منذ مُعجزات عيسى جدّك الذي أورث لكِ صفاته , حتى اليوم الذي سيجمعني بكِ ، و أخذاً بالأسباب ، عندما ياتي ذلك اليوم ، حاولي السكوت قليلاً ، أحييني بهدوءٍ و سلام ، و أبدأي بالكلام عند عودة الروحِ لي .

كيف لرحمة الله أن تتراءى لنا بهيئة اسم ، اسمك يا جُمان ! .

يا جُمان ، يا جُمان !!.