لم أستطع النوم بعد ، رغم تفكيري بعدّة أحلامٍ كنت أتمنى استحضارها إذ أنني سأنام الليلة أكثر من ثلاثِ ساعاتٍ كما اعتدت طوال الأسبوع .

أتساءل دوماً كيف لم ترمني أمّي في قارعة الطريق و أنا الذي ما هدأت يوماً من الصراخ احتجاجاً على عالم ربما لا يستحق العيش فيه .

أمي التي لم تتعب من تربية أربعة أطفال و تصرّ على إنجابنا , لا أفهم استطاعتها على الصمود في ظلّ عالم الأمومة المتعب , تعبتُ و لم تتعب أمّي .

هل يحتاج العالم لمزيد من الأطفال !؟ ربما ! .

هذا المكان الذي يحوّل كائناته الصغيرة إلى عقد نفسية ما لها من حل , يمارس فنونه بالتعذيب , لا يسأل عن حقوقهم البسيطة منها , ينجبهم للتشويه و إنجاب المزيد , تحولنا البلاد إلى عاهات , نكبُر قبل الولادة , نحمل قضايا و أزمات ورثناها , لننقلها كـمرضٍ معدٍ , نعيش في ظلّ دائرة الهموم الكبيرة  , نحن الذين لم نعد قادرين على التفكير بحيواتنا بعد ساعة , نفكر بالحرب و المذابح , نفكر بنصل السكّين و فوهة السلاح .

نفكّر بالموت أكثر منه بالحياة .

تحيطنا لعنة الوطن , لعنة الموت الجاثمة على تلك البلاد .

كم من الأوطان خذلك , يخذلك , و سيخذلك , يطردك عن أبوابه , يغلق المعابر أمامك , يسجن روحك ليطلق الجسد , يحاول تصفيتك من جموعه البشرية , يخفي أكثر مما يظهر , و أنت ما زلت تزحف إليه , تستجديه عطفاً , تنتظر مبشراً منه , “و تدگ روحك نذر للجايب ابشارهكما يقول الشاعر العراقي .

أتذكّر قبل عامٍ و نصف , عندما اجتاحني الخوف على مدخل عنتاب , خوف من نبضات اشتياق هزّت كياني , اشتقتها كما الرقة , ديرالزور , دمشق , أو أي مكان تخفق له الروح .

خفت من الاشتياق , فلا هذا وطني , ولا هنا مكاني , و لكن شاءت الظروف .

من الأوطان ما يخنقك , يذبحك , يدفنك , يهيل التراب , ثم يمشي , و كأنك ما كنت يوماً , ببساطة , هي سُلطَة الحياة , أو الموت , تختفي .

لا أحد يذكرك , تتوارى , غريبة هي الأقدار , كيف تُكتبُ سلفاً , تُكتب بالدم و النار , دون أن تمحى , ننطفئ على حافّة تفصل بين المرئي و اللا مرئي , نخبو .

يريدون أن يجعلوا لكلّ فردٍ وطن , سوف ندور و ندور , حول أنفسنا , يريد أخي الحديث معي , يحتاج إلى تأشيرة , إلى سفارة تفتح لتأخذ الفاتينغ أو الفيتو أو أي إجراء أمني خوفاً من دخيل غريب .

أُطْفِئُ بعد شهرٍ شمعة سنةٍ أخرى انقضت , إطفاءُ الشموع بات عادةً سيّئة , ما زال داخلي ذاك الطفل الذي لم ينضج بعد , رغم ما مر , أُحدِّثُني و أنا أعرف أن عليًّ مسامحتي , لا أعرف كيفية الهرب منّي , فكرت كثيراً في آخر عام , تخيلت نفسي شاباً , تزامن ذلك مع ارتفاع في الضغط أدّى لأزمة صداعٍ نصفي أو المسماة “شقيقة”و هذا ليس تعبيراً مجازياًقررت عدم التخيّل مرّة أخرى , اكتفيت بالكتابة , أجلس , أنشر , أراقب اللايكات , و ها أنا .