استشهد ، انطفئت روحه بعد شهرٍ من انطلاق الثورة ، 15/4/2011 كانت إصابته الأولى و الأخيرة التي أدت لاستشهاده بعد أيام و الاحتفاظ بجثّته ليتم تسليمها لاحقاً ، و هو الذي سبق رفيقهفي الشهادةغياث مطر بخمسة أشهر .

تمرُّ صورة لـفيصل العويص أول شهيد في المدينة التي انحَدِرُ منها ، البوكمال ، والذي استشهد و دُفن في باب سباع ، الحي الحمصي الشهير ، لم يكن أول الشهداء الذين يدفنون خارج أراضيهم ، و لن يكون آخرهم ، أُقلِّبُ بمقاطع فيديو تشييعه هو و من معه ، يضعون الأعلام الحمراءأعلام النظام كما صار اسمها لاحقاًفوق جثثهم الطاهرة ، منذ تلك اللحظة ، بدأ النظام و أتباعه بعملية إفقادنا هويتنا ، علمٌ ليس لهم ، نسبوه لهم عنوةً ، و أُجبرنا على كرهه ، بتنا نربطه بلون الدم الذي أراقوه منّا .

برغبةٍ طفولية ، كنت أتمنى منذ سنوات أن تُسقى قبور الشهداء كل يوم  قبل أن نرفع علمنا الاخضر  علم الثورة ، عسى أن تنبت الطحالب على الأحمر الذي دنّسه النظام ، لم أفكر كثيراً بكيفية رسم النجوم ، شهدائنا النجوم في سماء الوطن ، الحرُّ منه فقط ، تخضّب بدمائهم ، كَبِرت ، صار التمني أن يتروّى الملائكة قبل إطلاق الأحكام عليهم ، هم شهدائنا ، كانوا سبّاقين للشهادة ، و لكنّهم لم يلحقوا تبدّل الرايات ، يجتاحني الهدوء ، هم ملائكة ، سيعلمون أنهم شهداء ! ، لا بدّ أن يعلمون !

للمرة الثانية أكتب و أمسح ذات الكلمات ، لست بموقع المبرر ، ولا أدافع عن علمٍ هنا ، أشعر بالذنب من حسن النوايا و العالم يغلي من حولنا ، و كأن كل شيءٍ سقط .

تستنطقني صديقتي اللبنانية لمعرفة تفاصيل الثورة ، تحاول معرفة فيصل و رفاقه ، و أفشل في كل مرّة بمحاولة شرح هذه المفاهيم ، و كأنها اندثرت و سالت مع كل الدماء الجارية ، أتعجبُّ من صعوبة الحديث عن ذاكرة الثورة الأولى ، رغم أن هذه التفاصيل بحاجة قليلٍ من الحرّية فقط لتظهر ، استجمعت طاقتي ، و بدأت .

فيصل ، و أتحدث عنه لأنني أعرفه ، أخصّه بحديثٍ و هو المثال لكثيرٍ مثله ، حاملي مفهوم الإنسانية الذين أنجبهم لنا رحمُ الثورة ، بدأوا بالثورة السلمية ، و رفضوا خوض غمار السلاح ، حتى استشهدوا  و هم تحت زخ الرصاص ، قالوا كلمتهم في الشهر الأول للثورة دون خوفٍ من الجلّاد ، كانوا أصحاب القرار دون دعوةٍ خارجية ، وقفوا في وجه الشيطان دون الاستعادنة بـعدوِّ عدوهم الذي ما كان صديقاً لنا يوماً .

العام السادس للثورة ، يتجاوز العدد نصف مليون فيصل و غياث ، و ضعف العدد من المعتقلين و المغيبين قسراً ، و أضعافهم مضاعفة من اللاجئين و النازحين ، و وطنٌ واحد .

 

 

مرفقات :