عزيزتي جُمان ..

أوجه رسالتي التاسعة لكِ ، بعد رؤيتك للمرّة الأولى ، لا تلتفتي ، لن تريني ، إنه تعبيرٌ مجازي ، لم يصبح واقعاً بعد .

رأيتك في وجه شخصٍ من أقرب الناس لي ، خذلني ، ليس بمعنى الخذلان ، و لكن الانكسارات الصغيرة تكبرُ بعيداً عنكِ ، لا حيلة له بما حدث ، خذله من اعتمدَ عليه ، مثلكِ تماماً ، لا حيلة لكِ في البُعدِ عنّي .

أفكر منذ آخر رسالة وجهتها ، لما أخاطبك بصيغة الملكية الشديدة ، و توضيحاً لكِ سأشرح ذلك ، عزيزتي جُمان ، يُقال أنَّ أقدارنا تُولدُ مرافقةً لنا ، بعد أن يمرَّ شريط العمر أمامنا في الأرحام التي شاركت بجريمة وصولنا لهذه الدنيا ، يا قدري الأول ، يا رفيقة الأرحام ، يا جُمان .

أتيه في أوروبا ، لست وحيداً ، يجمعني مع مئات الآلاف غيري هذا الشعور ، نعيه عند خطوتنا الأولى هنا ، محظوظٌ من يطأ روحه هنا ، لا يسعنا الصراخ ولا رفع رؤوسنا عالياً ، ولا حتى لرؤية رصفان هذه البلاد .

أجد في رسائلكِ ساعة الهدوء الخاصة بي ، أحمل قلمي ، أعيد ذات الحكايات ، سأخبركِ سرّا آخر عنّي ، أحياناً أرغب في أن أضرب رأسي في جدار غرفتي ، علّه يكشف ما بداخله ، أقف ، أحاول ذلك ، تترائين لي سراباً في كل أفق ، و أتبع السراب ، خارطتي في شوارع هذه المدن ، و عند وصولي للحظة اليأس ، تكذيب السراب ، أهدي غيابك رسالةً أخرى ، أجدد تصريح إقامتك في قلبي بهذه الرسائل ، و أهدي نفسي أقداماً تسعني إكمال كلّ هذه الطرق .

أُغلِقَ حسابي على الفيسبوك ، لا بد أنّكِ لاحظتي ذلك ، حاولت تدوين هذه الرسالة على الورق بدل توجيهها إلكترونياً كما اعتدنا ، بدأت بها ، لاحظت ارتعاشة الورقة ، أتؤمنين بارتعاش الورق يا جُمان ؟! ، يرتعش من كلماتٍ تحمل قلبين ، و لقاءٍ ما زال يعانق الغياب ، يرتعش منكِ ، منّا ، و يبقى بيننا .

أما هذه الرسائل ، و التي أقوم بنشرها ، هي ليست لكِ ، و للمرة الثانية أخبركِ بعدم الامتعاض ، انتظريني حتى انتهي و من ثم بادري بردّة فعلكِ التي تشائين ، يا جُمان ، عندما نحبُّ شخصاً إلى درجة حبّي لكِ ، نتوقع من الجميع ذات الحب ، رغم عجزهم ذلك ، ولكننا ننتظر منهم ذلك ، عندما لا يفعلون ، و كأنهم أهانوننا ، و عليه ، أسمحي لي بتوجيهها للعامة ، حتى يخالُ لهم أنتِ ، يحبونك ، و يرون ما أراه .

منهكةٌ هي الرسائل لكِ يا جُمان ، باردةٌ مقارنةً بما أشعر به ، مثلما نكتبُ الأوكسجين بكتاب الكيمياء ، و لا نشعر به إلا نفساً يدفعنا لاستمرار الحياة .

و كعادتي ، لا انتظر ردّاً على رسالتي هذه أيضاً ، يكفيني أنكِ ستقرأينها ، ولو بعد حين ، يبتسم ثغرك ، يخفق قلبي ، بكِ يا جُمان .

يا جُمان .