عزيزتي جُمان ,

تعلمين كُرهي لآخر شهور السنة ، تعلمين الحُزن الكامن فيه ، و تعلمين ما يرتبط به ، مُقدمةٌ صادمة ، ربما هكذا ترينها ، ولكن من الجيد أن تكون صادمةً لكِ أهون من اعتذاري عن انقطاع مراسلتي لكِ .

اتفقنا مسبقاً أن نتوقّف عن عدِّ الرسائل ، سأنكث العهد هذه المرّة فقط ، إنها الرسالة الثانية عشرة ، ليس رقمي المفضّل ، يأتيني حتى بما يخصُّكِ يا جُمان .

أما بالنسبة للتبرير الثالث و الأخير ، تموت الكتابة يا جُمان كما يموت من حولنا ، تتلاشى قدرتنا على ذلك ، من ذا الذي يقرأ نصّاً في ساعة حِرمان ! ، من يذكر جثةً سقطت بين مئات الجثث علماً أن أحدهم قد زار مدينةً أوروبيّة ، أو ربما تركيّة مجاورة للحدود ، فطغى اسمه على مئةٍ معه ، لا هو ذنبه و لا الرسائل ذنبي ، تموت الكتابة ، يموت البشر ، و فتاةٌ مثلكِ لا تملُّ من سُكناي ، في كل مكان ، للدين غرباءه الذين يعود بهم ، فقط بهم ، يا غريبة ديني إني حَنيفُ الحبّ إليك .

أفكّر لماذا أكتب لكِ في ليلة الميلاد ، رغم أنّي ورثتُ صلةً بالنبي محمدوالذي كان ميلاه منذ أسابيع قليلةأكثر مما يربطني بنبي الله عيسى ، أربط الأعياد بمن يحتفلون فيها ، مئات الملايين يهنئون بعضهم ، أتخيل عيدي في ميلادكِ ، تقويمنا الخاص ، يبدأ فيكِ ، يا كلّ البدايات الجميلة .

لو كانت هذه الرسالة ستصلك قبل ستّة أعوام ، لوصلتكِ مع سبع حبّات تمر من البوكمال و رمّانتين من السوسة وكليجةديرية ، مع سطلٍ من اللبن رقّاوي ، لكلٍّ منّا هداياه في الميلاد .

أتعلمين ، لا أعرف ما يدفعني لانتظارك دائماً ، للتوجه إليك في لحظات الحزن و الفرح ، حيث لا دليل يؤكد مجيئك لاحقاً ، أشعر بالمتعة حتى في انتظارك ، بانتظار أن يغمرني الفرح دون أي تعب .

أكاد أجزمُ أنها أسوأ الرسائل لكِ ، للمرة الأولى أتردد في قراءتها مرّة أخرى خوفاً من الاحتفاظ فيها .

ميلادُ رسولين ، و فقدان رُسُل ، مرّوا منذ كتبت لكِ للمرة الأولى بحياتي ، منذ كتبت لكي أكتب فقط ، من أجل الحياة ، أتلعثم كلّ مرة و كأنني عاشق المرّة الأولى ، قلبي النابض كأنه لقائنا الأولى ، رغم أننا لم نلتقي .

يقول مظفر النوّاب فينا ، أو هذا ما اعتقدته عند قراءة الأسطر للمرّة الأولى .

إن النهر يظل لمجراه أميناً

إن النهر يظل يظل يظل أميناً

إن النهر يظل أميناً