عزيزتي جُمان ,

تضاعفت مدّة الغياب هذه المرّة ، دخلنا في الشهر الثاني منذ عدّة أيام ، ترددت في كتابة هذه الرسالة ، لم يكن يومي الأول جيداً في باريس ، ليس هذا ما دفعني للكتابة لكِ ، ولكنني على عهدنا القديم ، والذي أخذته نيابةً عنكِ منذ رسالتنا الثانية ، رسالةٌ لكِ في كل مدينةٍ جديدةٍ أزورها ، ولو فرضنا أن جنيف لم تكن في الحسبان ، أعلم بأنّكِ لستِ من محبّي السياسة ، وهذا لا يعني عدم كونك ثائرة ، ليس مهماً أن نكمل هذا الحديث ، دعينا نأجله لوقتٍ لاحق .

إذاً ، وبما أننا أجلنا حديثنا الأول ، أطوي صفحة باريس معه ، انطباعاتي الأولى لم تكن محلَّ ثقةٍ دائماً ، لنترك الاعتماد عليها ، عدت للحديث في صيغة الجمع ، رغم أنها المدينة التي تشكل اليوبيل الفضي لعدد المدن التي زرتها من دونك ، و أظن أنها العاشرة من دوني ، أخبرتك لاحقاً أنني وجدت نفسي في عنتاب ، وتركتها هناك ، لم تعد بعد .

يبدو أنه نصٌّ كئيب ، لا يرتقي لرسالة متوجهة إليكِ .

حسناً ، لتفرحي ، لم أعد أتقيأ كما يفعلون على الفيسبوك ، أصبحت أعرف كيف أوصل رسائلي ، وحاولي أن تغضّي الطرف عن عجزي إيصال رسالةٍ لكِ ، ولكنني مثلاً ، حدثت مجزرةٌ في الرقة ، لم أكثر من المنشورات التي لن يراها سوى أصدقائي والذين إن لم يعرفوا في المجزرة إلا من منشوراتي الكثيرة فلا خير في ثورةٍ تجمعنا ، لا أعرف لما أخبركِ بهذا أيضاً ، تستطيعين الإيماء بوجهك فقط ، شكراً .

سأكمل لكِ قليلاً عن باريس ، أو ما جعلها تبعد عن كونها سبباً رئيسياً في الكتابة لكِ ، اليوم التقيت بصديق ، ينحدر من البوكمال ، تذكرينها طبعاً مسقط رأسي ، والتي أتجنب ذكرها دائماً ، شرحت لكِ سابقاً مدى كُرهي لما أُجبر عليه ، لماذا لم أولد حيث شئت ! لماذا أُجبر على المكان الذي ولدت فيه ، وجدنا أنفسنا نجلس على أحد أفرع نهر السين ، رغم عيشه بعيداً عن الفرات ، ما زالت موروثاته مثل كل فراتي تجرّه للأنهار .

أتصدقين ، لم أزح نظري عنه ، كأنني أريد الوصول لقرارة روحه ، لم أعد أذكر آخر مرّةٍ لم أشعر أنني غريبٌ يا جُمان ! إلا من لحظاتٍ أسرقها لأكتب رسالةً لكِ .

المهم ، يبدو أنها رسالةُُ لي ، ولكنها باسمك ، يحتضر الإنسان دون أملٍ يا جُمان ، ولهذا أمنح نفسي قليلاً منكِ ، مهما حاولت التوقف ، أعود للكتابة ، وأترك مهمة حمل أوزاري للورقة ، ورقتكِ يا جُمان .