طريق المنزل
أخاف العودة إلى المنزل وحيداً منذ أيام ، إذ أنني كنت أعزي سبب عودتي إليه دون النظر إلى الطريق هو إتباعي لاخي ، إذ أنه يحفظ الطرقات في كل المدن التي زرناها معاً سابقاً ، ولكنني منذ عدّة أيام كنت وحيدٍ ، أحمل هاتفي المحمول كما جرت العادة ، وصلت إلى المنزل دون النظر للطريق ، للحارات ، دون الاستدلال على المعالم التي تحيط بي ، يخفني الانتماء إلى هنا ، يُصبح الانتماء مخيفاً لمن هم مثلنا! ، حتى الانتماء! .
مظلومية
أحاول الهرب من فكرة المظلومية ، رغم أحقيّة جزءٍ منها ، ولكن ظالماً لا يُصبح صاحب حقمن وجهة نظري، تدفع أوروبا ثمن مشاركة جنودها ، والذين أصبحت عظامهم مكاحل كما نقول ، في مجازرةالهولوكوست، و كغيره من المظلوميات ، يجري تهويله ، و لربما حدث ، ولكن من عاش الظلم يوماً لا يظلم ، وهم ظالمون ، كما الكثير من أبناء جلدتنا ، والذين كانوا القسم العفن من الأرحام ، و أثبتوا أن البطن بستان ، خرجنا منها نحن و هم ، يفقأ العالم عينيه ، و يمشي ، عجيبٌ أن من يرى الهولوكست يعمي نظره عنّا ، حتى لو كان البعد الجغرافي أقل ، أعرف صديقاً يحيي ذكرىحلبچةفي كل عام ، ذكرى من حُمّلوا ذنب أرواحهم لـصدام ، وكأن لا إيران و لا خليج ولا أمريكا و لا غيرها كان في تلك الحرب ، ويتناسى الغوطة ، والتي لم ينتهي توثيق قتلى كيماوي أهلها بعد ، هكذا نعبّأ الأنفس بالحقد ، نملأها كراهية ، ونترك الضحية الناجي من المجازر ، حتى يصبح إرهابي ، ومن ثم يصبح للعالم حجّةً لقتله ، إذ أنهم لا يقتلون أحداً ويأخذون ثأر مظلومياتهم إلا بالحق ، حتى أنهم باتوا يفصّلونه على المقاس ، حقٌّ قومي ، حقٌّ طائفي ، حقٌّ للجميع ، سوانا نحن .
يوم سقط هُبل
لا ينفك المشهد يُعيد نفسه أمام عيني ، أذكره بالتفاصيل ، وكأنه يحدث الآن ، يسقط التمثال ، والذي تعمّد الطاغية الأب فيه أن يرتديالعبايةحتى تمثاله أستوحاه منّا إذ لا إرث للطغاة ، يسقطون قبل أن يكون لهم تاريخ ، كيف بدأ الشباب يضربوه بالأحذية ، بل بكل ما يملكون ، حتى أن شخصاً اسمهأبو طهقدشخَّعليه ، كأنه حصر نفسه لأربعين عاماً ، وفرغّه .
كانوا يقتصّون من الأسطورة التي بقيت ترعبهم من الجد إلى ولد الولد ، حاكمٌ بالخوف ، القائد الذي قاد شعبه للتهلكة ، قتلهم ، جوعهم ، حتى أنه قامر بهم مرّة ، و هو يعلم بخسارته ، ولكن لا ضير ، كلّهفدا الكرسي” .
موت
يأتي مرتَزَقٌ لأمريكا ، بحماية طائرةٍ روسيّة ، ليقتل إرهابيٌ أوروبي ، و كل هذه الجنسيات التي تجتمع في مباني الأمم المتحدة لعدّة ساعات سنوياً ، استطاعوا تفريغ ما يكبتونه في عقولهم على أراضٍ سوريّة ، أصبح الامر أشبه بفلمٍ هوليودي ، ولا ينقصه إلا أن لا يكون الموت حقيقياً ، أو على الأقل ، أن تبقى خسائرهم فيما بينهم ، دون الاستمرار بحمل لعنتنا الأزليّة .
استذكر مع صديقي مواقفنخوةٍقبل كل هذا الموت المنتشر ، عندما كان سقف الرجولة هو أن يقف معك صديقكحتى الموت، عندما كنا نهابه ، رغم أننا قادرين على استخدام مصطلحٍ كـطول العَمْرِ مثلاً ، ولكننا أبقينا على الموت للمهابة ، قبل أن نملك شهيداً في كل عائلةٍ أوفى بوعده فعلاًحتى الموتومنهم من أوفت العائلة بأكملها بذلك ، حتى لو لم يَعِدوا .
ارتشف قليلاً من الحنين
و مثل كأس النسكافيه بلاك
لا بد من أملٍ يكسر مرارته
و بضع قطرات مطر
إذ لا حاجة لاحتراق غابات الروح
فلسطين و لبنان تكفي لهذا العام
….
أفكِّرُ منذ الصباح
لماذا لا يوجد مهندسيحنين
أو مكتشفٌ لسرعةالغربة
ثانية أو بضع ثانية
و ألف عامٍ مما يعدّون
جرّتني من تل أبيض وصولاً للبوكمال
بخطّي الجزيرة والشامية
و ما كانت سرعة الضوء أو الصوت لتفعلها
….
حتى هنا .. أكثر المدن اتّساعاً رأيتها
كبيرة إلى حد ضياع المشاعر
لا بد لمداعبة الأصول
هنا
في الركن البعيد
ما من فيروزولا رغيفالتنّورالصباحي .
هنا تُجَرُّ من إذنك
لأرضك البعيدة
تستيقظ صباحاً
تبدأ بإلياس خضر
أو فؤاد سالم في أفضل الأحوال
يُشرق نهارك بلمعة كاسة شايالأُكرك عجم
في أضغاث أحلام اليقظة الأولى
….
هنا .. تدعو لسوريّة
كما يفعلون تماماً
لا كما كانت تفعل أمّي عند كلِّ صلاة .
تدعو لمسقط رأسك
وتتمنى الحِفظ لمدينةٍ تحب
تُشدِّدُ على حلبْ .
مرتينْ
تَنسى دمشقَ عن سابق إصرار
وتُكْملُ منفاك البعيد .