ماذا لو استيقظت لتجد نفسك ميتاً ، كانت دُعابة متداولة ، أن تستيقظ و ترى رأسك مقطوعاً فما هو شعورك ، لتكن فرضيتنا هذه المرّة عمومية أكثر ، لنتحدث عن فرصة استيقاظك لتجد نفسك ميتاً و ترى ما يحدث ! .
بدأتُ منذ يومين بمسلسلٍ يتحدث عن انتحار طالبة في المدرسة الثانويةتركت تسجيلات تحوي أسباب وفاتها، لجميع الأشخاص الذين ربما قالوا لها كلمةً مسيئة أو ضحكوا على ما قيل عنها ، لم أفعل شيئاً حتى انتهيت منه، كان من واقعنا، أو للدقة، من كل واقع في هذا العالم، أمور نستسخفها جميعاً، ولكن ماذا لو استوقفتنا! وكانت سبباً بانحدار حياتنا! .
جميعهم تبرأوا من علاقتهم معها بعد انتحارها ، وقليلٌ منهم قال أنها كانت صديقة، قبل أن تُعرّيهم – بكل ما تحمله الكلمة من معنى – في تسجيلاتها ، ماذا لو ترك كلٌّ منا مثل تلك التسجيلات ، ولو قلنا بعيداً عن الانتحار ، ولكن ماذا لو اكتشف الناس أن أكثر من نصف حضور تأبيننا هم سبب في قتلنا ، حتى لو لم نُقتل ، إذ أنني لا أؤمن بالوفاة الطبيعية ، ليس منا من أراد الموت أو يريده ، نحن نُجبر عليه ، إذاً كل من مات فهو قَتيل .
لطالما تداول الناس أن المجرم شخصٌ لا ينتمي لنا ، ولكن ماذا لو كان بيننا المجرمين ؟! ، لم يخططوا او يدرسوا ذلك ، حتى أنهم لم يحللوا كل الاحتمالات التي ستؤول إليها الجريمة ، أصحاب الجرائم العفوية ، الذين يصبحون قتلة – وربما كانوا ذلك بغير قصد – ، هكذا و كأنهم وجدوا لتنفيذ القدر الإلهي ، بأيديهم ، لم يقصدوا ان يدسّوا السمّ بأفعالهم أول الكلمات ، أصلاً لم يروا فينا ضحايا ، كل الامر أنهم يقتلوننا بخطأٍ لا يستدركونه .
القاتل الذي يُعزّي أهالينا ، و يلقي كلماته “الجميلة” عنّا ، ولكن لا أحد من الحضور يعرف أنه مشتركٌ بالجريمة ، و لهذا يستطيع التواري بعيداً ، بعيداً للحد الذي لا تصله أيدي العدالة ، يترك ساحة جريمته دون دليلٍ عليه ، الجريمة الكاملة التي لم يعرفها محققي جرائم القتل ، لا ينظر هؤلاء القتلة إلى الخلف ، لا أدلة عليهم ليقوموا بمسحها ، ولا يتعذبون بالتأكد هل لفظت ضحاياهم أنفاسها الاخيرة أم لا ، هم فقط يقتلوننا ليمشوا بعيداً ، لا أقل ولا أكثر .
سيعتبر الناس أنها وفاة طبيعية ، أو جريمةٌ يتبناها تنظيمٌ متطرف – سواء كان إسلامي أو علماني – ، مجرد قضية موتٍ عاديّة لشخصٍ لم يكتب له إكمال حياته ، ما من سببٍ ظاهر ، ولن يحاول احد التحقيق بالأمر ، ولو حاولوا ما من فائدة مرجوّة ، لأن جميع المشتبه بهم يملكون دليل غيابهم ، براءتهم القويّة ، و هم القتلة الحقيقيون ، كأن القدر حبّك الجريمة معهم ! يصبحون خارج حدود الإنسانية ، بوجهات النظر فقط ، والكلام عنهم عبثٌ تماماً ، هم مُعَبِّدي الطرق إلى الموت.
يرى البعض أن الحديث عن هذه الأمور لا داع له في ظل ما نمر به ، تراكم السنوات الأخيرة وما يحدث في حيواتنا ، يجبرنا على الخوض في هذه النقاشات ، لربما ننقذ روحاً ما ، لا فائدة من الدعم النفسي و الحفلات و الرقصات و غيرها إن كانت أرواحهم ما زالت تُمتَص و يُرْمَون في منازلهم ، يتحولون لقنابل موقوتة ، لا تنفجر إلا بهم ، تُحيلهم ، أو لربما كنا منهم ، تُحيلنا إلى رماد ، دون تحولنا لطائر الفينيق فلا شخص يقوم من ركام رماده إلا في الأساطير ، لسنا أساطير ، ولا نريد أن يذكرنا التاريخ ، نحن مُحبّين للحياة فقط ، و في هذا السياق ، من المهم أن نعرف أن الكرامة ليست عبأً ، والحرية ليست مجرد “هبل” ، والحلم ببلادٍ محررة من جميع الطغاة هو حقٌّ في الحياة لا يجب أن نموت جميعنا لأجله ، ألا يحقُّ لما أن نعيش لأجله ؟! .
لأخصص الموضوع أكثر ، يرى البعض – والذين يتجهون إلى الأكثرية شيئاً فشيء مع شكّي باستمرارهم – أن ما نفعله هو انغلاق ، و يجب أن نقبل بمؤيدي القتلة ، بقواعدهم الشعبية التي تعرف تماماً أنهم قتلة و يساندوهم على ذلك و يشمتون بموتنا ، و منهم من يتواجد معنا ليشمت معهم و يرثينا عند الموت ، أن حب الحياة لا يأخذ إلا شكلاً واحداً ، و أن ما لهم يبقى لهم و ما لنا يبقى لهم أيضاً ، سئموا مما أسموه “دعوات لاستمرار الحرب” ، لا ينفكون عن تكرار “هذا ما سببته الثورة” ، هل الثورة من قتلت أكثر من نصف مليون مدني ؟! و اعتقلت أضعافهم ؟! ، أنحن من نستخدم الطيران لقصف أهلنا ؟! ، أعجب من ثورةٍ تروها لا تقتل إلا مناصريها ؟! ، يزعجهم الكلام المستمر عن عذاباتنا ، عن آلامنا ، هم يبحثون عن استمرار العيش فقط ، حتى ولو كانت على ركامنا ، يحملون ازدواج المعايير و كأنها حقٌّ طبيعي ، حتى أصبح موتنا أقل من عادي ، والحديث عن التنكيل بأجسادنا نوعاً من “الكليشات” المكررة التي ملّوا سماعها .
لأشخصن الموضوع أكثر ، علاقتي بأخي محمد هي الأقوى ، وكعادتي لا يسعفني إلا العاميّة هنا ، لنقل “عديل الروح” ، أحب والدي – رغم حديثي القليل معهم – كثيراً ، أغيد و أرشد هم أجمل أقداري كأخّين لي ، زوجة أخي هي أختي التي لم تلدها أمي يوماً ، و واقعٌ بحبِّ رندة و تالين أكثر من روحي ، أحبُّ جمان ، وفي كل ما سبق أتردد في استخدام كلمات الحب ، أظن اللغة لم تخلق بعد ما يليق إدراجه في هذا النص لأعبّر عمَّ أشعر به ، لي الكثير من الأصدقاء و الصديقات الذين لم يتغيروا أبداً، منهم أخوةٌ لم يكتب القدر أن نكون من ذات الحمض النووي ، وعلى الرغم من ذلك، هم أخوتي .
أحب العمل مع صوت وصورة ، وتحرير سوري بشكل خاص ، أحب ما أقوم به كثيراً ، و أشعر بالسوء لما آلت إليه الجهات التي عملت معها في سنواتي السابقة ، أكره الكثير من الأشخاص ، والكره هنا شعورٌ لدى أي إنسان طبيعي ، لا يمكن أن تحب الجميع ! لا يمكن أن تحب من قتلك ، وقد يرى البعض كلمة قتلك كبيرة ، ولكنها الحقيقة ، الكلمات و الأفعال حتى لو كانت خالية من الرصاص و الدم و ما شاببهما ، قاتلة أيضاً ، أحب كثيرين من مواقع التواصل الاجتماعي لم أرهم بعد ، ولكنني أحبهم ، هو واقعٌ افتراضي حتى لو لم نعترف بذلك ، وهم أحبائي في هذا الواقع ، أحب إهداء الهدايا ، ما يترك انطباعاً معنوي كبير بشكلٍ خاص ، لا أحب القهوة ، أشرب المشروبات الغازية بكثرة ، جرّبت الكثير من الممنوعات ، أهيم في نفس الأركيلة ، والكثير من الأشياء الأخرى التي أكرهها و أحبها لم أذكرها ، هل جربتم ذكرها يوماً ؟! ، أو حتى ملاحظاتها بعد أن أصبح الكثير من هذه العلاقات و الأشياء روتيناً ، منها ما يقتلنا ! ولكنه روتيننا الذي اعتدنا عليه .
أحبكم جميعاً ، حتى من أكرهه ، ربما أحبهم هؤلاء بطريقةٍ خاصة ، الطريقة التي أظنّها قد تساعدهم ألّا يشعرون بما نشعر عندما يرون الموت مستساغ .!
جواتي حكي كتير .. بس شو كفى ووفى السرمد 💜
إعجابLiked by 1 person
يا راما ❤ ❤
إعجابLiked by 1 person