عزيزتي جمان,

كم لبثنا! ، حتى المحاسبين أرسلوا تقاريرهم النصف سنوية ، وأنا غافلٌ عن الكتابة لكِ ، بدءاً ، لن أعتذر ، ستفهمينني لاحقاً ، ولتعتبري هذه الجملة درساً أول عن كرهي لثقافة الاعتذار ، لربما سأحبّه معكِ ، ولكن تجاربي السابقة باتت سيئة مع هذا المصطلح ، لنتجاوزه .

لنقل أنني استغفلت نفسي ولم أكن غافلاً عنكِ ، كتب شابٌ في موقعٍ يشابه ما أكتب عليه ، ولكنه يأخذ طابعاً عمومي أكثر ، يُدعىمدونات الجزيرةرسالةً لزوجته المستقبليةجُمانُه، ورد فيها أنه لا يحبها تعمل ، تلقى من الشتائم و النقد ما لم يتلقاه أحد ، رغم كتابته الرسالة لزوجتهّ ، و ما من شدّة توضع على الهاء و لكن وضعتها للتشديد على خصوصية العلاقة بينهما ، لذلك كنت في حيرة بين انتقاء الكلمات ، لم تطل حيرتي ، فهي رسائلي لكِ ليست لهم ، وأحبُّ عفويتي معك ، لذا قررت عدم الانتقاء .

يبدو أن المقدمة درامية هذه المرّة ، حسناً انتهيت من مقدمتي .

عزيزتي جُمان,

سأبدأ بعنجهيّة هذه المرّةو كأنها المرة الأولى التي سأبدأ كذلك، على كل حال ، هي رسالتي الخامسة عشر ، بيننا قلمٌ و أوراق ، التي نعتبرها الخبز والملح خاصتنا ، لذلك سأعطي نفسي حقوق هذه البداية .

متأكدٌ أنك لو كُنتِ نسويّة ، لن نتزوج ، أو لن نرتبط حتى ، لا ترفعي حاجبيك ، الكلام آتٍ ، كُنت هنا تتحدث عند تعارفنا ، لا يهمني ماضيكولو أنني سأتحفّظ عليه قليلاً لو كنتِ كذلك قبل التعارف، ربما تتساءلين عن مدى هذه الحدّة ، لو كانت جدتي نسويّة ، لما انجبت 6 أولاد ، ولما قامت والدتي بتنظيف المنزل و الطبخ بعد ولادتها بساعتين ، ولم نكن ذقنا خبز جدتي الأُخرى على الفطور بعد استيقاظها منذ الفجر ، ربما لما كُنت أكتب لكِ هذه الرسالة حتى ، لما كنا موجودين .

ربما أرى أمثلةً خاطئة عنهم ، كادعاء النظام بالعلمانيّة ، وداعش بالإسلام ، ولكن حتى وقت الفهم الصحيح ، سأبقى هكذا ، فلتعتادي على ذلك ، انتهت بدايتي هنا ، أعلم أن جميع ما سبق ليس لكِ فيه ناقةً ولا جمل ، أنتِ نافذتي الجميلة في شقّةٍ أسموها الحياة ، تضيق بي منذ شهرٍ ، حتى ظننتها سبعٌ عجاف، دعيني أتنفّس الحياة فيكِ لأنفّه عن غضبي ، انتهيت هنا.

أنتِ لي ثقة طفل ، ارتدى ملابس تكبره بنمرتين ، غير آبهٍ بضحكات العالم كلّه ، أرى فيكِ ما يحلو لي ، أرى الجمال بكلمةٍ أرسلتِها ولو بغير قصد ، أرى تحقيق الحلم فيكِ ولو اجتمع العالم علي ، أرتدي شالك ، و ألفّك معي ، كطائرةٍ شراعية ، تقاوم الهواء بالحب ، هذا الطفل أنا ، و السند أنتِ ، يا سندي ، يا جُمان .

أشاطرك منذ عامين شجن العمر بأكمله ، اللحظات التي لم تعيشيها معي ، في ظل تقدير الأعمار المتناقض لي ، لم أعد أعرف عمري تماماً كم ، لا أقلق لذلك ، و هل يقلق من كنتِ العمر كلّه له يا جُمان ، يا كُل العمر.

لا أشعر بهذه الرسالة لكِ ، أزفر لي ، وأكتب للأرض و السماء و الرياح ، للعصفور الذي ما تغيّرت زقزقته رغم هجرتي الثالثة ، وأنا أظن انه تغير ، وتخيب ظنون عند تكراره لذات اللحن ، المنقول من نافذتي في الرقة ، إلى نافذة الألمانية ، أكتب و أنا أحلم بكِ ، أصدّق أساطير الحب ، حاجةُ مني للإيمان بكِ كأسطورةٍ بعد ضياع هيبة الأساطير في خضم جراح الوطن .

أسطورتي الجُمانيّة .

 

في كلِّ عضوٍ منكِ روحُ تُقىً

تُضفِي عليه جمالَهُ الأنقَى

فكأنَّ خصرَكِ وَسْطَ عُزلَتِهِ

مُتَصَوِّفٌ لِلعالمِ الأبقى

و كأنَّ جِيدَكِ في استقامتِهِ

مُتَمَسِّكٌ بالعروةِ الوثقى

لا ترفعي زندًا بِمُفرَدهِ

كي لا يميلَ الكوكبُ الأشقى

وتَمَسَّكِي بالشَّوقِ بَوصَلَةً

سنضيع حين نُضَيِّعُ الشَّوقَ