كانت فكرة بالبداية, حتى عشعشت في رأسه, و ظن أنه أسدٌ فعلاً, ليقرر تحويل دولةٍ بأكملها إلى غابة, إذ لا شرائع ولا قوانين جائرة تقدر على حكم “ثورة شعب“, و لأن الكلام المعسول قد نفد منه, حان الوقت لاستخدام السلاح, دون علمٍ أن من يزرع البارود لا يحصد سوى الدماء .
ليسقط الشعب, ولتكن دولة بلا شعب, قرّر أن يكون الحاكم و المحكوم, ولكن غابةً حولها كان فيها من الخراف ما يكفي لإرضاء غروره, كانت كافية لشعوره بنشوة النصر, وأن الشعب جميعه عملاء, بدأوا بتنفيذ أجندةٍ خارجية, وقد نصّب نفسه القاضي, قاضٍ على الحياة .
ثوراتٌ بالوكالة
لم يكن استيقاظ الشعوب شيئاً, إذ كانت الأوراق الخاسرة فقط من حان وقت رحيلها, ومن جاء نصيب ورقته في يد الأقوى, سيبقى, كلّ شيءٍ كان بالوكالة, حتى لو لم يكن, رحل بن علي, لحقه حسني مبارك, أوراقٌ خاصرة تتعب حاملها, ليس هناك فائدة من استثمارها, تم استهلاكها و حان وقت رميها لتُسحب ورقة جديدة, كانت تجربة المغامرة الأولى مع القذافي, مجنون عظمة, يهذرب بما يريده الشعب و يقوم بما يريده الغرب, و لافتقاد بديلٍ لمجنون عصره, قرروا أن تُشعل الحروب حتى يحين عصرٌ آخر يخرج منه مجنوناً يكون خلفاً لسابقه, و كشرقٍ أوسط محرّمٌ عن على الثورات, فيه من الرعية ما ليس فيه من الشعوب – برأيهم – توجّب السماح بقطع الرؤوس المرفوعة, إنها دار “ممانعة“, و من يُدير “دار الممانعة” فهو آمن .
الآن
فعلها القائد, أعاد الشعب مئات السنين إلى الوراء, كما وعد تماماً منذ عدّة سنوات, أن سيعيدهم إلى 7 ملايين, إذ لا يستحق الحياة من غاب حبّ القائد عن قلبه, لم يستطع التخلّي عن كرسيه, كما فعل و يفعل أصدقاءه, وكعيدٍ كبيرٍ للأضحى, قرر أن الشعب هو الأضحية, ليقدمه قرباناً لكرسيه الموروث, وأسطورةٌ مثل هذه لا تحدث بالعمر إلا مرّة, كان العالم لا يمّل من المشاهدة, دون أي تحرّك, يكتفون بالكلام, رغم صمتهم اللائذين به, ولم نعلم بعد كم من الأرواح يجب أن ندفع حتى نؤدي ديننا الذي ما استدنّاه يوماً .
قلق
بات العالم يصيبني بالقلق, خصوصاً مع اختلاف ردة الفعل باختلاف حاملي الدم المُراق, لا تكون رد الفعل على الظلم و القتل, بل عن من, حيث أصبحت الأرواح تُقدّر بأثمان, و الروح الأغلى هي روح ذاك القابع في قصره العاجي, يأمر بقتل مخالفيه .
يضج النفاق, و الكذب, ويبقى الجميع ضمن دائرة المصالح, ليبقى الحقّ بين غلافي الكتب فقط, في العالم الذي بات يتعارك البشر فيه من أجل أحلامٍ موعودة, يقتلون من أجل إلههم, ولو كان بشر, لا حياة تأتي بالموت .
أصبح النصر يُخيف, أخاف من “المحررين“, الفاتحين, الداخلين إلى أرضنا بإشارات النصر, الجارفين معهم جثث أهلنا, و أحلاماً تطلعنا لنراها حقيقة, اقتلعوا أصحاب الأرض من الجذور, أخرجوا من بيوتكم أيّها العباد, غضوا أبصاركم عن الطائرة التي تلاحقكم, عن الرصاص المخترق لصدوركم, أنتم وحدكم, متمسكون بالأرض, أنتم أهل هذي الأرض, أصحابها منذ شروق الشمس الأولى, حتى غيابها علينا أجمعين .
وطن
لم أعد انتظر حلولاً منذ زمن, لا دولة مدنية ولا محاربة طائفية أو عرقية, ولا مؤتمرات دوليّة أو وساطات للوصول بنا إلى برّ الحلول, ولا حتى عودة تلوح في الأفق .
مللت ممن لا يجيدون سوى الكلام, تعبت من الألوان التي باتت تدل على كلِّ شبرِ أعرفه, حتى لم أعد أعرف, أصبح بقائك أو عودتك مرتبطة بما ترفع من ألوان, وحدودٌ جغرافية تشمل كل لون, الروسي, الأمريكي, الإيراني, التركي, الفرنسي, والكثير من الألوان, عدا السوري, والسوري هنا صفةٌ يكتسبها المرء بكرامةٍ وثورة, ودون ذلك هو موروثاتٌ باتت هجينة مع جهاتٍ محتلّة .
في البلاد, يتكلم الجميع, دون الإنصات لأحد, ولم يعد الإنصات مهماً, إذ أن الموت بات أكثر اعتياداً من الحياة, هو وحده الذي لو تكلّم يُخرس الجميع, و أظن أننا أجدناه, فتجد من قد يموت برصاصة أٌطلقت أثناء فرح ! .
أما عن البلاد التي أتحدث عنها و أنتمي إليها, مصابة بالزهايمر, تنسى أكثر مما تذكر, إذ أن فيها من قد يصفق اليوم لقاتل أخيه البارحة !, إذ أنهم يظنون أن على ارضها من هم مرسلون, و المرسلون لديهم حق التحدث عن الشعب الأخرس, هم مالكي الوصفات السحرّية التي تصنع مستقبلاً مشرق .
أما أنا, سمعت بصحراء كبيرة في أفريقيا, لا يسكنها أحد, أنقلوا حروبكم إلى هناك, و لو صعب الأمر عليكم, خذوا حصّتي من هذه البلاد و أعطوني جواز سفرٍ, فيزا, أو أيّ شيء يدخلنا إلى تلك الصحراء, مع من أحب, ولو كنّا بلا وطن !