عزيزتي جمان,

بدايةً و قبل أي حديث، أودُّ إخبارك أنّ هذه الرسالة لم أُرِد كتابتها، بل احتجت ذلك،  إنها تندرج تحت بند الرسائل الموجّهة لي، أو عبرك لي، إذ يقولون أنّ أصدق الكلام خطابٌ نابعٌ من القلب، يا قلب.

إنها الثامنة عشر، مضى شهرين مذ آخر رسالةٍ كتبتها لنا، تقاعست مؤخراً عن الكثير من احتياجاتي، منها هذه الرسائل، بات الشك يسكنني يا جُمان، لم أعد أيقن أن هذا العالم عادل، لو كان عادلاً بما فيه الكفاية لأتيتك حاملاًرُمّانتينمن السوسة، وعثقُتمرٍ من البوكمال، مستقلّاًالسرفيس، ولم أكن لأكتب هذه الرسائل، نظرة وجهي وما ذكرته سيكون معادلاً لكل هذا الكلام، بل أكثر!.

ربما تستغربين حديثي عن البوكمال ومدينةٍ ريفيّة بجانبها، وأنا الذي أخبرتك سابقاً أنها ليست مدينتي التي أُحبْ، إنها مسقط رأسي يا جُمان، وهو أمرٌ لا أُحسد عليه، وليس هناك داعٍ كي تغاري منه، تمنيت يوماً لو أنني وُلدت خارجها، الرقّة مثلاً، أما عن سؤالك اليومي كيف هي تلك الديار، هذا سؤالٌ بحاجة حديثٍ يمتد إلى سبع سنواتٍ لكل قصة، وعددنا يتجاوز مئات الآلاف، أعلم أن سؤالك مجازي وتقصدين عن حالها الآن، حتماً لا تنتظرين إجابةً فيها كلمةبخيرعلى الإطلاق .

لا تتفاجئي من رؤيتي للجواب بهذه الصعوبة، أنتِ ترينه سؤال، وتلك الديار أكبر من أيّ سؤالٍ أو إجابة، تلك الديار قضيّة، هي أول ثورةٍ قمنا فيها، هي أول الشهداء، هي أول نزوحٍ لنا، وأول مدينةٍ نفقدها، هي المكان التي دفنوا فيها جدي و جدتي دون وداع، وضعوا لهم شاهدتين حجر، أتعلمين أن أحجارنا أيضاً لها قصص ؟ وهل تودين أيضاً الحديث عن قصص الحجر ؟.

كان جدي لاجئاً، جاء من العراق، أحبّنا حتى أورثنا ذات الصفة، ولكن بعد مئة سنةٍ على هجرته، تغيرت صفات اللجوء المتوارثة، إذ أنّ أبي أصبح لاجئاً في تركيا، ونحن لاجئين أوروبيين، أنا يتيمُ وطنٍ يا جُمان، تعلمت أن أحضن والدي، أعيش الوطن في تلك اللحظة متراً بمتر، وكما أسلفتُ أنني من البوكمال السوريّة، لذا حتى حضن والدي يُصبح أمنيةً كما الرُمّان والتمر، وأنتِ يا جُمان .

عزيزتي جُمان، ربما ترين أنني لم أعد أشبهني كثيراً، ما زلت رجلاً لا يخشى مراجعة نفسه قبل النوم، وما زلت أُحبّكِ، وما زلت المحارب المنهك، المنهزم، المقاتل بمفرده كلّ تلك الأيام، لكلٍّ منّا صفحة في القدر، صفحةٌ تُلقي بغبارها علينا، من كوارث و هزائم، وأنا بصفحتي الآن يا جُمان.

أخبرتكِ منذ البداية أنّها رسالةٌ لي، شكراً لحسن الإصغاء.

صحيح، قبل أن أنسى، يقولون أنّ البارحة كانيوم الفتيات العالمي، أصبحوا يوسمون جميع الأيام بالمناسبات، يحتاجون لكلّ أمرٍ مناسبة، أعدكِ ستكونين كلّ أيامي والمناسبات، والعيد يا جُمان، يا عيدي.

و كسراً للروتين، أترك هذه المرّة لكِ أغنية، يا لَحنِيَ الأجمل.