مرَّ على آخر رسالةٍ لي خمسة أشهر ، تغيّر فيه الكثير ، ولكن رسالة جديدة أبدؤها باسمكِ تنثر كل عطر الرسائل القديمة ، تبعث فيَّ شوقاً يشبه ذاك الذي حملته رسالتي الأولى ، شوقاً يدقُ أبواب القلب ، وألوذ به ، وبك!.
مؤخراً ، بات يسكن تفكيري سؤال “متى كَبِرتْ؟” ، متى نكبر نحن يا جُمان ، لا أستطيع ربط الجواب بأعمارنا أو أحجامنا ، إذ أنّ جواباً من هذا النوع يذكّرني بآلافٍ بالكبار الأطفال ، رعناء هذه الأيام ، أتذكر عندما سافرت وحيداً للمرّة الأولى ، عندما نِمتُ على فراشٍ لم ترتّبه أمّي ، أخبرتني حينها – هاتفياً – بأنّني كبرت ، خجلت من سؤالها لماذا ، إذ أن ازدياد أعمارنا هو أمرٌ مرغمين عليها ، في كتابٍ بحثت فيه عن الجواب قرأت أنّ الأمر متعلقٌ بالهرمونات و ونضوج هويتنا الفيزيائيّة ، وأن خلايا جديدة تنضج في أجسادنا ، لم أسعى حينها أكثر للبحث عن الجواب ، إذ أن قاموسي الجُماني يكفيني لأجد أجوبتي ، نضجت حين عرفتكِ يا جُمان ، حين نضجت خلايا الحب في جسدي ، حين أصبحت هرمون سعادتي ، وليس عليَّ محاولة التأقلم مع نضوجي كالمراهقين ، حيث أنّ هرموناً جُمانياً يُشكّل الجزء الأكبر من هويتي كإنسان يكفي لتقبُّلي هذه الفكرة ، وهل لإنسانٍ بأفضل حالات رخائه الهرمونيّة أن يفكّر بالشقاء!.
أحاول الاستمرار بكتابة هذه الرسالة ، رسالة جديدة أدسّها بين مراسلاتنا ، “شهود الحبّ” كما أفضّل تسميتها ، اطمئنّ بها عليكٍ و أُسكِتُ بها حنين القلب ، ورغم كتابتي لها ليلاً ولكنها ليست من الكلام الذي يمحوه النهار ، بل من الملاجئ التي أهرب إليها من ضجيج العالم ، ومِثلُ ملاجئ حربٍ كُتِبَ لها أن تقلل من أرواح الشهداء ، أحمي روحي بكِ من نهش أيام ، يا ملجئي الحامي ، يا مُناجاة السِلمْ ، يا جُمان.
صباحُ اليوم مختلف ، ليلةٌ ختامها أنتِ لا بدّ أن يلقي نهاراً يليها أشعةٌ من الشمسِ ، منكِ ، مع أمنيةٍ أن تقرأي هذه الرسالة بالروح ، كما كتبتها لكِ بروحي يا جُمان ، وإن كإجابةٍ مُسبقة لو راودك سؤالُ “لماذا لم أكتبها بالقلب” ، سمعتُ شاعراً عراقي قال:
“بالقلب ما أخليك بي دقّة تاذيك
بالريّة حتى يصير درب الهوى عليك“
أمّا خِتامُ هذه الرسالة ، وددت أن أخبرك أنّني أحبّكِ ، وعلى الرغم من الحبّ الذي يسكنني حين أكتب ، وبشكلٍ خاص هذه الرسائل ، إلّا أنّني أحبّكِ أكثر يا جُمان ، وعلى عكسِ من يكتبون الرسائل والروايات ، من ينتظرون تحقق نبوءاتهم ، إلّا أنّ نبوءتي مُحققة ، أكتبكِ فيهاً سطراً بعد سطر ، وأعيش تفاصيلها معكِ حبّاً بعد حب.