عامي الجديد
تتشابه الأيام على التقويم ، حتى تصل في معظمها إلى مرحلة التطابق ، مجموعة أرقامٍ متشابهة تتكرر في كل شهر ، لتتكرر مع شهورها في كل عام ، لكن يبقى بعضها مميزاً لنا ، أيامٌ نكاد نعتبرها ملكاً لنا و كأنَّ ما من أحدٍ يعيشها غيرنا.
يقول المفسرون للقرآن الكريم أنّه في الغالب ترد كلمة “سنين” توصيفاً للسنين السيّئة ، أو بأحسن تقدير السنين التي لا تحمل الخير معها ، على عكس كلمة “أعوام” ، ويستندون بتفسيرهم إلى وصف أعوام عذاب نوح مع قومه بالسنين و ما بعد الطوفان بالأعوام ، أو بسنين يوسف العجاف و عام الخير الذي أغاث الناس ، أحببت الفرق بينهما ، عشنا سنين طويلة من العذاب ، عدّلت الثورة ما عشناه إلى أعوام ، أعوامٌ رغم ما حملته من أسى و فقدانٍ للأحبّة إلى أنّ من حولنا حوّلوها إلى أعوام ، أهلنا الذي ساندونا لنكسب شرف الانضمام لهذه الثورة ، أخوتنا و أخواتنا الذين كانوا معنا في هذه الثورة ، أكبر عاماً آخر ، و رغم قربي لوصفها بست سنينٍ كبرت بها بعيداً عن الأهل ، إلّى أنّها أعوامٌ بوجود من عرفتهم في الثورة ، من كانوا الخير لهذه الأعوام ، إلى رفقاء الدرب ، أنتم أعوامي الجميلة ، العُمر الجميل.
الأهل
لطالما كانت فكرة الأهل مثيرة بالنسبة لي ، خصوصاً بعد الثورة ، إذ أنّ مفهومي للأهل قبل الثورة ارتبط بالعلاقة البيولوجيّة و كأنّها علاقة مقدّسة لا يمكن المساس بها بتاتاً ، خصوصاً في مجتمعٍ يتّسم بالعشائري رغم كل الحداثة في مدننا ، ولكن بعد الثورة اختلفت هذه المفاهيم ، إذ أنّ انقسام الكثير من العشائر و حتى العوائل الصغيرة بين مؤيدٍ و معارض و بعد مضي الأيام إلى توجّهات أخرى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، أصبحت لنا عشيرتنا الواضحة ، أصبحت أمّنا الثورة هي الجامعة لنا ، وأخوك من الثورة أقوى من أخوك الذي يربطك به الانحدار من ذات الرحم ، لو قرر الانتساب لعشيرة تأييد الطغاة.
أمّا أنا ، كسبت نِعمَةً كبيرة ، أخوةً من ذات الرحم ، وينتمون لعشيرة الثورة ، هم الأصدقاء لي ، ملجأ النُصح مذ كنت صغيراً ، أصدقائي عندما كبرت ، و رفاق دربي في الثورة ، سندي لكلِّ الأيام ، محمد مع عائلته و أغيد و أرشد ، شموع دربي المُظلم ، الآخذين بيدي إلى باب النور.
أبي ، طبيب أسنانٍ لكل الناس ، أما لي ، هو طبيب القلب ، الشافي لكل العلل دون أي أدواتٍ طبيّة أو دواء ، طبيب الروح.
أمي ، التي تثبت دوماً أنّني محظوظ ، حظيت بها كأم ، ثم مُعلمة ، ثم مُرشدة للحياة ، ولا أقول لي ، لأنها لا ترشدني لأكمل طريقي في الحياة ، بل تُرشد الحياة لتضمن أنّ كلّ ما يجري على ما يرام.
أنتم أعوامي الجميلة ، العُمر الجميل
حبيبتي و الأصدقاء
أؤمن أن اختيارنا لِمَن نُحبهم و يحبوننا هو أهم الخيارات ، وأقربها إلى قلوبنا ، ليس بسبب علاقة الحب التي نصنعها بيننا ، بل لأنّنا من اختارهم بكامل إرادتنا ، اخترنا الإيمان بهم ، و أقصد الإيمان حرفياً ، مثل الإيمان بالروح و أهميّة وجودها و انعدام حياتنا من دونها ، رغم أنّنا لم نراها ، هو الإيمان المُرافق بالتسليم الكامل له و به ، هم قطع أُحجية أرواحنا ، تكتمل بهم ، راڤينا و بشرى و عروة و بيان و بحر و جنان و نورا و جمال و معتصم و عمار و صهيب و وائل و ضرار و وضاح و سوسن و كريم و إياس و زهور و روان و ألما و علا و عبدالرحمن و نورهان و رامي و هناء و محمد سهيل و راما و الكثير من الأصدقاء ، مسند قلبي.
أنتم أعوامي الجميلة ، العُمر الجميل
تواصل اجتماعي
يُسفّه الكثيرون من مواقع التواصل الاجتماعي ، ربما أحياناً اتفق معهم في لحظات هروبي من هذه المواقع ولكن بشكلٍ خاص ، أراها من منظورٍ آخر ، وبشكلٍ خاص الفيسبوك ، كنّا نجتمع سابقاً في الحارة ، وهذه العادة التي عُرفت فيها الكثير من المناطق الريفيّة ، حتى يُقال أنّك لن تستطيع المشي من مكان عملك إلى المنزل إلى و تمت دعوتك إلى أكثر من عشرين كأسٍ من الشاي ، أرى الفيسبوك هو حارتنا الكبيرة ، فيها من نتفق معه و فيها من نختلف ، نبقى أولاد ذات الحارة ، الحارة التي صنعناها و وضعنا حدودها بإيدينا باختيارنا للأصدقاء ، الحارة التي اخترنا منها من نصفهم بجيران العمر و جيران الرضا ، افتخر بالكثير من جيران العمر و جيران الرضا ، أكاد أراها حارةً تجمع أبناء عمومة ، ينتمون لعشيرتنا عشيرة الثورة ، نسند أحمال بعضنا البعض ، نتقاسم رغيف الخبز في الشدّة و نتوازع “الصُبَّة” من الغداء في الرخاء ، الحارة التي نشعر داخلها بالأمان.
أنتم أعوامي الجميلة ، العُمر الجميل
يا بعد قلبي يا سرمد
الله لا يحرمنا منك
إعجابLiked by 1 person
أب منذر يا قلب ❤
إعجابإعجاب