عزيزتي جُمان ,

اسمحي لي بتوجيه رسالةٍ لا ناقة لكِ فيها ولا جمل , و لكن تأخراً لكِ أجبرني على البوح قبل المجيء , فَقدٌ , فراقين , غربتين , ابتسامة , و عامين , هكذا تُحسب أيام انتظارك .

أواجه صعوبةً في كتابة رسالتي الخامسة لكِ , يعود الإنسان لفطرته الأولى في فرط المشاعر , “تسوين قلبيفي لحظة حب , وآه يا ويليفي لحظة حزن , نابعتين من القلب لا يشابهها أي أبجديّة فصحى اخترعها الإنسان , فرط المشاعر يأتي بالعامية الصَرفة , لا يُنمّق .

البارحة و فينَزلةِ حنينخُيِّلَ لي الغُربة في مائدتنا , الغائبين , الحاضرين , المُلتاعين شوقاً , كاسات العصير بعددها , الكراسي الفارغة , حبّي لكِ بكتاباتٍ لا تنتظم , “بوستفاضح للحزن , “لايكذو هيبة , علبةكماشقّت طريقها من الشام لميونيخ بباخرةٍ لم تستطع حمل الأحباب معها , فاتورة باقة ورودٍ حملت فرحاً لم أستطع حمله , “ندىًعلى كأس ماءٍ حزناً لمفارقتهالقنينة” .

اسمعي , فيقيامتيالأخيرة , و التي نواجهها جميعاً كـبروڤاتزورنا و تتراءى على سقف غرفةٍ فيها من البرد المطر ما يُثقل الغيوم , ماءاً و دمع , ودمع .

تبداً القيامة اليومية للمحافظين على أرواحهم , مُقتاتي الأوكسجين , نُحاسب أنفسنا على الخطايا , دون انتظار رحلتنا الأخيرة السرمدية , “نطشّرحزننا على المخدات التي لا يهمها إنكسّرتعلينا أم لا , عدت للفراش , لنفسي , أحمل ثلاثةً و عشرون عاماً , ربع قرن ,كان هذا كافياً للحزن .

كم ربع قرنٍ يتوجب ان يمرّ بي ؟! , كم من الموتى عليّ أن أدفن في مقابرهم ؟! , كم غربة , حزن , حدود , عودة , نزوح , ثورة ؟! , كم غازياً , مستعمراً , محرراً , محتل !؟ , كم هم و نحن !.

أكرر الكلام كثيراً , اليوم , كم من الأشياء صابت أجسادنا , غير الشظايا , كم !؟ .

انسحب إليك الآن , أنا المنفي , السجين في العتمة , المسحوب لأشعة الضوء , يا أشعتي الضوئية , مسودّتي الأولى للروايات , صباحاتي الجديدة .

و رغم كل الحزن , آمنت أنه ليس إلا سبيل إلهي لأحبكِ أكثر , لاستظلّ في ظلك , إذ ينفخ الله في قلوب المؤمنين بالحبأمثاليروحاً مثلك , أؤمن بكِ , بالله .