مادتي لـ ” صوت وصورة

 

إلى من هم خارج ديرالزور ,

هنا , على متنالبَلمْ” , استقلّه ذاهباً , ليس بحثاً عن حياةٍ تستحق هذا الاسم في أحد الدول الأوروبية , لا , أقطع الطريق ذاهباً للضفة الأخرى من الفرات , رغم أنها ذات الحياةرغم اختلافي على تسميتها بذلكالتي أعيشها , حتى أنها لا تختلف بالخطرِ شيئاً لا زيادة و لا نقصان , رغم أن مسببّيه لا يخافون من أنيُدخل الله يد القسّام في الناركما يقول جدي دائماً , و لكنهم يلتزمون بتقسيم الخطر علينا بشكلٍ عادل , ما أوقحها من عدالة .

أنا , شابٌ في شرق ديرالزور , بإمكانك أن تأخذ أي شابٍّ من ديرالزور مدينة و ريفاً , تعرفه أم لا , و تُسقِط عليه هذه الأحداث , نتساوى هنا في فُرصِ الموت , ولا نستيطع التساوي بطُرِقها , يا ليتنا نستطيع , يا ليتنا .

أصل للضفّة الأخرى , ليست بالمسافة البعيدة , خصوصاً عندما يكون قياسك للمسافة هو بخروجك من المنزل و عودتك إليه , إذ من الممكن أن تكون مسافتك طويلةً فتُنحرُ بسكين داعش , أو يختصرها قاتلك من السماء , و هنا يضيع دمك بين الدول .

أما إذا أردت القياس على الخرائط الفعلية , تكون المسافة أضعاف ما يظهرهاجوجل مابسلك , مثلاً , كانت تبعد المسافة بُعد مزاجية المقاتل الداعشي الذي يقف على الحاجز , تقصر برضاه , و تبعد لغضبه , الآن باتت ثابتة , حتى بالنسبة لذلك المقاتل , حيث اختصر الطيران عليه المهمة و جعلها بعيدةً عن كلانا بعد مساواتنا به .

أجلس لاجئاً في منزلي , أصبحت هي أرضهم , أصبحتُ أنا هناك , رغم أني ما زلت هنا , يتحدث العالم في الخارج باعتبارنا باقون فيأرض الخلافةوالتي ما رأينا منها إلا سواد رايتها الذي عمَّ على مدننا , إننادواعشو نستحق ما يجري لنا , يقول التحالف , الروس , النظام , و من حالفهم جميعاً أن ما يفعلوه من أجلنا !.

حسناً أعزائي , هل تعلمون أننا من أكثر الشعوب فرحاً ؟! , رغم أنه مُنافٍ لقوانين حاكمنا الحالي , و يُخالف ما يُحكى عنّا , هنا في ديرالزور من الممكن أن تفرح خلسةً لوجود تلفازٍ في منزلك , أو لغارةٍ أخطأتك , هل جربت أن تفرح بربطة خبز ؟! , غمرتك السعادة لوجود الأنسولين على رفوف الصيدلية ؟! , أمشي , لا بل أطير بجانب الفرات ! , هذه أحاسيس لا تُحكى , هو شعورٌ فقط , نتجلّى به بلحظة ترف , لحظة ! .

أتعبناهم , حتى لو لم يُظهروا ذلك , أتحدّوا جميعاً , لا أعرف شعباً مر عليه احتلالٌ في الأرض و السماء , يقتلونه على حدٍّ سواء , رغم اختلاف الأسماء !.

كيف لا يتحدّوا و رغم كل ما لديهم , لا يملكون فرات ! ,  نرتفع بالتآويل حتى يشاركنا فراتنا اللقمة  , لدينا من الفرات ما يكفينا ليتشارك معنا الفرح , الحزن , الموت , من يكون بينك و بينهخبزٌ و ملحلا يتركك , فـكيف بمن تقاسمه حياةٌ و ألم ! .

نربط كل الأماكن بالفرات , بعيداً عنهحتى لو كان قريباً – , نعيش في الوقت , في دقائق الأمان , حتى لو لم تكن طويلة , يغلقون علينا المدن من السماء متى شاؤوا لأسبابٍ عسكرية , يردّون عليهم بإغلاق المنازل علينا للرد على أسبابهم العسكرية , و عبثٌ من إغلاق القلوب , و الأرواح .

نحن أولاد هذه الأرض , أبناء النهر , و رغم تذكّرمن يحاول استملاك الأرضإقامة دولته الإسلامية من جديد , و بِدء محاربة الطرف الآخر للإرهاب , نعيش نازحين في أرضنا , و ما نحن بنازحينوالله – ! , غرباء , دون أن نشقى خارج الحدود , غرباءٌ نسكن هذا الوطن , غرباء .

أوجه رسالتي هذه , فلا حدود للرسائل , ولا حاجة للجسور لها , ولا لساعي البريد , من القلب للقلب فقط , أتمسّك بإرسال هذه الرسالة , بطريقتي الروحانية الخاصة , من الممكن أن يستخف الكثيرين بما أقوله , أو سأقوله , ليس من المعتاد , و لكننا نستحق الحياة , الحياة التي لا يعرفها من هم بعيدين عن قلق فقدانها , ما قيمة الحياة إن لم تكن ضمن موتٍ قبالة فرات .

نعاني من عسر التأقلم مع هذه الظروف , أمرٌ طبيعي للمنفيين , نسعى دائماً لخلق الحجج لنا , و كما يتكيّف الجسد على درجة الحرارة المحيطة , نتكيّف , و نرى أنفسنا استثناء الخالق .

استقبل رسالتي قبل الجميع , علّها تكون نفضةً لغبار الخوف عن الروح , وعدُ بالاستمرار , بنا نحن , بلا هُم .

أود الآن إنهاء رسالتي , أحاول كتابة العنوان أخيراً , هل هي ديرالزور .؟! , هل هناك من أرضٍ ينأى الوصف عن أهلها غير أرضنا ؟.

من جنبات الفرات .

ديري .