تسافر حبيبتي مرّةً أخرى، لعنة البُعد والبلاد التي حوّلت مصطلح “ما وراء البحار” من جُملةٍ تستخدم لاستحالة الوصول، إلى مسافةٍ تُبعدنا عن الأهل والأحباب، وكالعادة مع كُلِّ سفرٍ لها، أعود لغُربتي التي منذ عرفت راڤينا ارتبطت ببعدي عنها، لا عن الوطن والأهل.

مع راڤينا أظن أن بعض الكلمات لا تكون مُعبّرة، الحب على سبيل المثال، مشكلتي الأولى أنّها كلمة من مقطعٍ صوتٍ واحد، على الرغم من إنني عرفته حقيقةً عندما أصبح من ثلاثة مقاطع صوتيّة “را – ڤي – نا”، وأظن أنّه يجدر القول ألفته، لإننا نعرف الكثير من الكلمات، ولكن نألفها عندما ترتبط لدينا بالأشخاص.

عرفت أن الحب هو عندما توقفت عن انتظار اليوم الذي “نرد بيه لأهلنا” مع مظفّر النواب، وتوقفت عن العودة “لدق باب الوطن” مع فؤاد سالم، أصبحت “أرد إلى أهلي” في كلِّ مرّة أعود لأرى وجهها، ألقي عليها التعب وتزمّلني بما لديها من عاطفة، أردُّ إليها وطناً أينما كانت، أينما كُنّا.

الحب هو شعوري بالانتماء دون أي استثناءاتٍ للمرّة الأولى، ولا سيما وأنّنا ننتمي إلى نسل غرباء، إمّا أجدادٌ مهاجرين، أو وطنٌ لم يُشعرنا أنه وطن، لربما نستثني بضعة أشهر أحسسنا أنّه وطنٌ، وعندما أزهرنا، قرّر حصادنا مبكراً.

والانتماء بدون استثناءات هو الكمال بحد ذاته، هو أن تتوقف عن الشعور بالغربة وأنت الغريب منذ الولادة، الانتماء إلى شخصٍ كما يصفه كاظم الكاطع “يا من مگدّر عَلَي، غيرك فصاله صعب، چم دوب أخيّط، وأشگ”، وهو يشرح كيف يكون التطابق إلى درجة وكأنّ هذا الشخص كملابس قد قّدرت وكأنها صُنعت لك بكل التفاصيل، بعد محاولاتٍ أكثر من أن تُذكر، يقوم فيها بالخياط والتمزيق.

الانتماء إلى درجةٍ يُصبح الحبُّ فيه كاملاً، لا أنصاف مشاعر كما تعلمنا، فالفرحة في الحب هي نصف شعور، يُصبح كاملاً عندما يكون فرحةً، ضحكة، وشهقة، وحزناً، عندما يصبح كاملاً من كل المشاعر، عندما يصبح كما يقول عريان السيد خلف “يا شوفي، ورجوتي، ودنياتي، ولوني، يا واهس ضحكتي، وشكواي، وظنوني”.

وبصراحة، لا أرى نفسي قد وجدت نصفي الآخر في راڤينا، أجد أنني وجدت نفسي بكل ما فيَ من جمالٍ وسوء، بكل ما فيَّ من جمالٍ أظهرته لدي، وسوءٍ ساعدتني على التخلص منه، مع راڤينا وَجَدْتُني.

ولأكون صريحاً مرّة أخرى، ربما لا أستطيع أن أكون متأكداً بشكلٍ مطلق في الكثير من الأمور، ولكن الأمر الذي أستطيع أن أؤكد إطلاقاً فيه، أن راڤينا لم يُخلق مثلها أبداً، وأتحدث هنا علمياً لا عاطفياً، إذ أن الكرة الأرضية تدور، ولو خُلِقَ من راڤينا اثنين، كانت لتتوازن الأرض وتتوقف عن الدوران، وهذا ما لم يحدث.

أما ختاماً، “يا بعد رموش عيني، وجفني، والعين، وصْبِيها، ونظرها، وكل الأحلام”

“رحمة لخالقچ ملضومة بأبرة وخيط؟ من راسچ لحد رجلچ مسوّاية

سؤال، مدوّخ النسّاب، حاير بيه

عشيرتكم ورد؟ تفّاح؟ مصنع تين؟

گعدتو بصف رطب؟ عاشرتو هيلاية؟”

“يا من لو أشوفچ من بعيد، كل هم بالقلب ينزاح

يا حتى الماله راحة بال، يم سوالفچ يرتاح”

“أنتِ روحي وراحتي

وآخر ندى الـ ع الورد ينزل

أنتِ ليلي ولالتي

وتفاحتي الـ جمعت حلاة الشمس والظل

يلّي رمشچ يجمع خيوط الفجر

بتّ ويه بتّ وبيها يغزل

يلّي صوتچ غفوة الغبشة

وخمر تينة ندى وبيّن فعلها براس بلبل

يلّي بعيونچ عزم مهرة عرب

من تشم ريح الطيب تصهل”