البارحة كانت حلب، واليوم الطبقة، على الرغم من أنني أتحدّث بلغةٍ مجازية، إذ هي الحال منذ سنوات. نقول اعتدنا، لكن ليس بيننا من يستطيع اعتياد الموت، له رهبته الأولى ولو تكرّر ألف مرّة، أو بالضبط، تجاوز تكراره نصف مليون مرّة في حالتنا السوريّة. يخطر لي بشكل متواصل منذ أسبوعين ذات السؤال : ما ردّة فعلك لو قام زعيم كوريا الشمالية باستخدام النووي؟ يقول أخي إنه ليس علينا أخذ الأمر بتلك الجديّة، فيما يخالفه الرأي صديقنا المرافق لنا في شوارع ليست لنا: إنّ كلّ شيءٍ مكتوبٌ حتّى حديثنا الذي يجري الآن. تقول أمي إنّ جارةً لنا قالت لها ذات صباح إنّ الحياة باتت أصعب وكشفت ما تخفيه تلافيفها، وأنا أستغرب من ذكر كلمة “تلافيف” في حديثٍ نسائيّ صباحيّ بين امرأتين جمعهما نفيٌ و قهوة. حدّثتني جدّتي مرّة عن أنّ الحروب لا تقع ما داموا يفاخرون بها، الحرب لا تأتي إلا صامتة، كالموت المنتشر في الزوايا وخلف الجدار الذي يبنونه ليسقط قريباً. وما الفرق لو حدثت! لا أعداد الموتى اليومية ستنقص ولا الأحياء سيزدادون. ستبقى الحال كما هي، نموت هنا في مكان الولادة –وذلك ترفٌ لو حدث– ثمّ نُقتل هناك، على الرغم من أننا نحيا هنا، لا فرق، وُلدنا كمتفرّجِين في دارٍ للسحر، نحن الجمهور ونحن من يقع عليه السحر، ولا سحرَ ينقلب على ساحره، وفي أحسن الأحوال نختلف عمّن يقوم بالسحر، من يقتلنا ببرميلٍ مثلاً، أو سكين، أو صواريخه الدقيقة على غيرنا فقط.
نختلف عن السحرة، وموزّعي أماكننا، و قاطعي تذاكر الموت، ونتفق على أنّنا الخاسر الأكبر، وأن الأمور هكذا تجري، بنووي أو دونه. كانت حلب، وكنّا الدمى المُحرَّكة بخيوط دمائنا، حتّى أنهم علّمونا بعض السحر، مثلاً كيف نختفي خلف أصابع الاتهام التي تخفّف عن كاهلنا الحِمل الثقيل ونغضّ الطرف عنّا، كما يفعل العالم. نتنفّس الموت، وندّعي أنها مِحنةٌ لن تطول، متجاهلين أنّ قدم الطفل الذي قتله تحالفهم الدولي في الطبقة لا تختلف عن يد طفلٍ آخر –شقيق الموت– حين رأيتها باقية، لم تتفتّت على مرّ الشهور. ستكبر الأشلاء وتقتلنا جميعاً ذات يوم. ما ردّة الفعل لو وصل إلينا النووي –كضحايا طبعاً؟ صراحةً أحاول الابتعاد عن النصوص الافتراضية. حسناً عزيزي سأجيبك.
لي صديقٌ في الطبقة، لا هاتف لديه بعد قطعه من قبل التحالف، وداعش تمنعه من الهروب، وله أشقّاء من رحم القتل يحاصرونه، وكان له نصيبُ برميلٍ أو اثنين من النظام.. فهل سيشكّل النووي فرقاً؟ ربّما سيريحه أن يعود إلى ذرّات، فلا قبر له ينبشونه إرهابياً، ولا فرصة أمامهم لكسر شاهدته المخالفة للسنّة و الشريعة.
لا أعرف حقّاً ما ستكون ردّة فعله، ربّما يموت، أو عساه يتحصّل على فرصةٍ للعيش. هل اقتنعت عزيزي.. القارئ؟!